بالذات لك فإن الإنسان قد يستريح في قيام الليل بنسيم الأسحار وصوت الطيور وهذا لا يضر بعبادته إذا لم يقصد طلب موضع خاص لهذه الاستراحة، على أنه لا لذة حقيقية في الأكل والشرب واللباس وإنما تندفع بها آلام الجوع والعطش والحر والبرد.
ثم لا يخفى أن الفضول من أمور الدنيا من المطعم والمشرب والملبس والمسكن وأثاثه والمنكح والمال والجاه ينبغي تركها والزهد فيها إذ الأخذ بما لا يحتاج إليه ينافي الزهد. (وأما) غير الفضول مما يحتاج إليه الإنسان ويكون مهما له من الأمور الثمانية، فينبغي ألا يترك الزهد فيها، إذ ما هو المهم الضروري يتطرق إليه فضول في مقداره وجنسه وأوقاته فينبغي ألا يترك الزهد فيه أيضا.
ومقتضى غاية الزهد فيه أن يقتصر من القوت على قوت يومه وليلته فإن كان عنده أزيد من ذلك فليبذله على بعض المستحقين، فإن اقتصر من جنسه على خبز الشعير فهو نهاية الزهد في القوت، إلا أن أكل خبز الحنطة في بعض الأحيان بل أكل أدام واحد في بعض الأوقات إذا لم يكن من اللذائذ الشديدة من أطعمة المتنعمين من أهل الدنيا لا ينافي الزهد، وربما لم يكن أكل اللحم في بعض الأحيان منافيا له. ويقتصر من (اللباس) بعد كونه من القطن أو الصوف على ما يستر الأعضاء ويحفظها من الحر والبرد، ولا بأس بكونه اثنين ليلبس الآخر عند غسل أحدهما. ومن (المسكن) على ما يحفظ نفسه وأهله من الحر والبرد. ومن (أثاثه) أعني الفرش والظرف والقدر والكوز وأمثال ذلك، ما يدفع حاجته من غير تعد إلى ما يمكن زوال ضرورته بدونه. ومن (المنكح) على ما تنكسر به سورة شبقه ويحفظه عن النظر والوساوس الشهوية المانعة عن الحضور في العبادات.
ومن (المال) على ما يقضي به حاجة يومه بليلته فإن كان كاسبا فإذا اكتسب حاجة يومه فليترك كسبه ويشتغل بأمر الدين، وإن كانت له ضيعة ولم يكن له مدخل آخر يمكن أن يصل إليه كل يوم قدر حاجته فيه، فالظاهر عدم خروجه عن الزهد بإمساك قدر ما يكفي لسد رمقه بسنة واحدة بشرط أن يتصدق بكل ما يفضل من كفاية نفقته. وربما قيل إن مثله من