(الثاني) اعتبار المرغوب عنه أعني ما يترك وبهذا الاعتبار له خمس درجات:
(الأولى) أن يترك المحرمات وهو الزهد في الحرام، ويسمى زهد فرض.
(الثانية) أن يترك المشتبهات أيضا وهو الزهد في الشبهة، ويسمى زهد سلامة.
(الثالثة) أن يزهد في الزائد عن قدر الحاجة من الحلال أيضا ولا يزهد في التمتع بالقدر الضروري من المطعم والملبس والمسكن وأثاثه والمنكح وما هو وسيلة إليها من المال والجاه، وإلى هذه الدرجات كلا أو بعضا أشار مولانا أمير المؤمنين (ع) بقوله: " كونوا على قبول العمل أشد عناية منكم على العمل، الزهد في الدنيا قصر الأمل وشكر كل نعمة والورع عن كل ما حرم الله عز وجل " (39) ومولانا الصادق (ع) بقوله: " الزهد في الدنيا ليس بإضاعة المال ولا تحريم الحلال بل الزهد في الدنيا ألا تكون بما في يدك أوثق بما في يد الله عز وجل " (40) وهذا مع ما يأتي بعده هو الزهد في الحلال، ويسمى زهد ثقل.
(الرابعة) أن يترك جميع ما للنفس فيه تمتع ويزهد فيه ولو في قدر الضرورة، لا بمعنى ترك هذا القدر بالمرة، إذ ذلك متعذر، بل تركه من حيث التمتع به وإن ارتكبه اضطرارا من قبيل أكل الميتة مع الإكراه له باطنا، وهذا يتناول ترك جميع مقتضيات الطبع من الشهوة والغضب والكبر والرئاسة والمال والجاه غيرها، وإلى هذه الدرجة أشار الصادق (ع) بقوله: (الزاهد في الدنيا الذي يترك حلالها مخافة حسابه ويترك حرامها مخافة عذابه) وإليها يرجع قول أمير المؤمنين (ع): (الزهد كله بين كلمتين من القرآن قال الله سبحانه:
" لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم " (41).