بذلك. فمثل ذلك كاذب في عمله، وإن لم يكن مرائيا ملتفتا إلى الخلق، ولا نجاة من هذا الكذب إلا باستواء السريرة والعلانية، أو كون الباطن أحسن من الظاهر. وهذا القسم من الكذب ربما كان من رذائل قوة الشهوة وربما كان من رذائل قوة الغضب، وربما كان من رداءة القوة المدركة، بأن كان باعثه مجرد الوسواس.
وأما في مقامات الدين، كالكذب في الخوف والرجاء، والزهد والتقوى والحب والتعظيم، والتوكل والتسليم، وغير ذلك من الفضائل الخلقية.
فإن لها مبادئ يطلق الاسم بظهورها، ثم لها حقائق ولوازم وغايات والصادق المحقق من نال حقائقها ولوازمها وغاياتها، فمن لم يبلغها كان كاذبا فيها.
مثلا الخوف من الله تعالى له مبدأ هو الإيمان به سبحانه، وحقيقة هو تألم.
الباطن واحتراقه، ولوازم وآثار هي اصفرار اللون وارتعاد الفرائص وتكدر العيش وتقسم الفكر وغير ذلك، وغايات هي الاجتناب عن المعاصي والسيئات والمواظبة على الطاعات والعبادات، فمن آمن بالله تعالى صدق عليه كونه خائفا يطلق عليه الاسم، إلا أنه لم تكن معه حرقة القلب وتكدر العيش والتشمر للعمل كان خوفا كاذبا، وإن كان معه ذلك كان خوفا صادقا، أي بالغا درجة الحقيقة، قال أمير المؤمنين (ع): " إياكم والكذب فإن كل راج طالب، وكل خائف هارب " (30): أي لا تكذبوا في ادعائكم الرجاء والخوف من الله، وذلك لأن كل راج طالب لما يرجو ساع في أسبابه، وأنتم لستم كذلك، وكل خائف هارب مما يخاف منه، مجتنب مما يقربه منه، وأنتم لستم كذلك، وهذا مثل قوله (ع) في نهج البلاغة: " كذب والله العظيم ما باله لا يتبين رجاؤه في عمله! وكل من رجا عرف رجاؤه إلا رجاء الله، فإنه مدخول، وكل خوف محقق إلا خوف الله، فإنه معلول... (31) ثم الكذب في كل مقام لما كان راجعا إلى عدمه، فيكون رذيلة متعلقة