ذلك فليراقب لسانه، ويقدم التروي في كل كلام يريد أن يتكلم به، فإن تضمن غيبة سكت عنه، وكلف نفسه ذلك على الاستمرار، حتى يرتفع عن نفسه الميل الجلي والخفي إلى الغيبة.
والعمدة في العلاج أن يقطع أسبابها المذكورة، وقد تقدم علاج الغضب والحقد والحسد والاستهزاء والسخرية، ويأتي طريق العلاج في الهزل والمطايبة والافتخار والمباهاة. وأما تنزيه النفس بنسبة ما نسب إليه من الجناية إلى الغير، فمعالجته أن يعلم أن التعرض لمقت الخالق أشد من التعرض لمقت المخلوق، ومن اغتاب تعرض لمقت الله وسخطه قطعا، ولا يدري أنه يتخلص من سخط الناس أم لا، فيحصل بعمله ذم الله وسخطه تقديرا، وينظر دفع ذم الناس نسيئة، وهذا غاية الجهل والخذلان. وأما تعرضه لمشاركة الغير في الفعل تمهيدا لعذر نفسه، كان يقول إني أكلت الحرام، لأن فلانا أيضا أكل، وقبلت مال السلطان، لأن فلانا أيضا قبل، مع أنه أعلم مني، فلا ريب في أنه جهل وسفه، لأنه اعتذر بالاقتداء بمن لا يجوز الاقتداء به. فإن من خالف الله لا يقتدي به كائنا من كان، فلو دخل غيره النار وهو يقدر على عدم الدخول فهل يقتدي به في الدخول ولو دخل عد سفيها أحمق، ففعله معصية، وعذره غيبة وغباوة، فجمع بين المعصيتين والحماقة، ومثله كمثل الشاة، إذا نظرت إلى العنز تردى نفسها من الجبل فهي أيضا تردى نفسها، ولو كان لها لسان ناطق واعتذرت عن فعلها بأن العنز أكيس مني وقد أهلكت نفسها فكذلك فعلت أنا، لكان هذا المغتاب المعتذر يضحك عليها، مع أن حاله مثل حالها ولا يضحك على نفسه.
والعجب أن بعض الأشقياء عن العوام، لما صارت قلوبهم عش الشيطان وصرفوا أعمارهم في المعاصي، واشتغلت ذممهم بمظالم الناس بحيث لا يرجى لهم الخلاص، مالت نفوسهم الخبيثة إلى ألا يكون معاد وحساب وحشر وعقاب، ولما وجد ذلك الميل منهم اللعين، خرج من الكمين، ووسوس في صدورهم بأنواع الشكوك والشبهات، حتى ضعف بها عقائدهم أو أفسدها.
ودعاهم في مقام الاعتذار عن أعمالهم الخبيثة ألا يصرحوا ارتكز في قلوبهم