الرابع - أن ينسب إلى شئ من القبائح، فيريد أن يتبرأ منه بذكر الذي فعله، وكان اللازم عليه أن يبرئ نفسه منه، ولا يتعرض للغير الذي فعله، وقد يذكر غيره بأنه كان شاركا له في الفعل، ليتمهد بذلك عذر نفسه في فعله، وربما كان منشأ ذلك صغر النفس وخبثها.
الخامس - مرافقة الأقران ومساعدتهم على الكلام، حذرا عن تنفرهم واستثقالهم إياه لولاه، فيساعدهم على إظهار عيوب المسلمين وذكر مساويهم ظنا منه أنه مجاملة في الصحبة، فيهلك معهم. وباعث ذلك أيضا صغر النفس وضعفها.
السادس - أن يستشعر من رجل أنه سيذكر مساوية، أو يقبح حاله عند محتشم، أو يستشهد عليه بشهادة، فيبادره قبل ذلك بإظهار عداوته، أو تقبيح حاله، ليسقط أثر كلامه وشهادته. وربما ذكره بما هو فيه قطعا، بحيث ثبت ذلك عند السامعين ليكذب عليه بعده، فيروج كذبه بالصدق الأول ويستشهد به ويقول: ليس الكذب من عادتي، فإني أخبرتكم قبل ذلك من أحواله كذا وكذا، فكان كما قلت، فهذا أيضا صدق كسابقه. وهذا أيضا منشأه الجبن وضعف النفس.
السابع - الرحمة، وهو أن يحزن ويغتم بسبب ما ابتلي به غيره فيقول المسكين فلان قد غمني ما ارتكبه من القبح، أو ما حدث به من الإهانة والاستخفاف! فيكون صادقا في اغتمامه، إلا أنه لما ذكر اسمه وأظهر عيبه صار مغتابا، وقد كان له الاغتمام بدون ذكر اسمه وعيبه ممكنا، فأوقعه الشيطان فيه ليبطل ثواب حزنه ورحمته.
الثامن - التعجب من صدور المنكر والغضب لله عليه، بأن يرى منكر من إنسان أو سمعه، فيقول عند جماعة: ما أعجب من فلان أن يتعارف مثل هذا المنكر! أو يغضب منه، فيظهر غضبه واسمه ومنكره، فإنه وإن كان صادقا في تعجبه من المنكر وغضبه عليه، لكن كان اللازم أن يتعجب منه ويغضب عليه، ولكنه لا يظهر اسمه عند من لم يطلع على ما صدر عنه من المنكر بل يظهر غضبه عليه بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف من غير أن يظهره لغيره، فلما أوقعه الشيطان في ذكره بالسوء صار مغتابا، وبطل ثواب تعجبه وغضبه، وصار آثما من حيث لا يدري.