وقال (ع): " من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط من أعين الناس، أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان ". وقال (ع):
" من اغتاب أخاه المؤمن من غير ترة بينهما فهو شريك شيطان (26) وقال (ع) " الغيبة حرام على كل مسلم، وإنها لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " والأخبار الواردة في ذم الغيبة مما لا يكاد يمكن حصرها، وما ذكرناه كاف لإيقاظ الطالبين. والعقل أيضا حاكم بأنها أخبث الرذائل، وقد كان السلف لا يرون العبادة في الصوم والصلاة، بل في الكف عن أعراض الناس، لأنه كان عندهم أفضل الأعمال، ويرون خلافة صفة المنافقين، ويعتقدون أن الوصول إلى المراتب العالية في الجنة يتوقف على ترك الغيبة، لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله - أنه قال: " من حسنت صلاته وكثرت عياله، وقل ماله ولم يغتب المسلمين، كان في الجنة كهاتين " وما أقبح بالرجل المسلم أن يغفل عن عيوب نفسه، ويتجسس على عيوب أخوانه، ويظهرها بين الناس، فما باله يبصر القذى في عين أخيه، ولا يبصر الجذع في عين نفسه.
فيا حبيبي، إذا أردت أن تذكر عيوب غيرك، فاذكر عيوبك، وتيقن بأنك لن تصيب حقيقة الإيمان، حتى لا تعيب الناس يعيب هو فيك، وحتى تبدأ بإصلاح ذلك العيب. وإذا كان شغلك إصلاح عيوب نفسك، كان شغلك في خاصة نفسك، ولم تكن فرصة للاشتغال بغيرك، وحينئذ كنت من أحب العباد إلى الله لقول النبي (ص) " طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ".
واعلم أن عجز غيرك في الاجتناب عن ذلك العيب وصعوبة إزالته عليه كعجزك عن الاجتناب عنه إن كان ذلك العيب فعلا اختياريا، وإن كان أمرا خلقيا فالذم له ذم للخالق تعالى. فإن من ذم صنعة فقد ذم صانعها. قيل لبعض الحكماء يا قبيح الوجه! فقال: " ما كان خلق وجهي إلي فأحسنه " ولو فرض براءتك عن جميع العيوب، فلتشكر الله، ولا تلوث نفسك بأعظم العيوب. إذ أكل لحوم الميتات أشد العيوب وأقبحها، مع إنك لو ظننت خلوك عن جميع العيوب لكنت أجهل الناس، ولا عيب أعظم من مثل هذا الجهل.