ويشتهونه، خوفا من القتل وإجراء أحكام الكفار عليهم، ولم يدعهم أيضا تلبيسهم وتزويرهم وغلبة الشيطنة عليهم أن يعترفوا بالنقص وسوء الحال فحملهم الشيطان بإغوائه على أن يعتذروا من سوء فعالهم بأن بعض العلماء يفعلون ما نفعل ولا يجتنبون عن مثل أعمالنا، من طلب الرئاسة وأخذ الأموال المحرمة، ولم يدروا أن هذا القول ناش من جهلهم وخباثتهم.
إذ نقول لهم: إن فعل هذا البغض إن صار منشأ لزوال إيمانكم بالمعاد والحساب، فأنتم كافرون، وباعث أعمالكم الخبيثة هو الكفر وعدم الإذعان بأحوال النشأة الآخرة. وإن لم يصر منشأ له، بل إيمانكم ثابت، فاللازم عليكم العمل بمقتضاه، من غير تزلزل يعمل الغير كائنا من كان. فما الحجة في عمل هذا البعض، مع اعتقادكم بأنه على باطل؟!.
وأيضا لو كان باعث أعمالكم الخبيثة فعل العلماء، فلم اقتديتم بهذا البعض مع عدم كونه من علماء الآخرة وعدم اطلاعه على حقيقة العلم؟ ولو كنتم صادقين فيما تنسبون إليه، فهو المتأكل بعلمه، وإنما حصل نبذ من علوم الدنيا لتوسل بها إلى حطامها، ولا يعد مثله عند أولي الألباب عالما، بل هو متشبه بالعلماء. ولم ما اقتديتم بعلماء الآخرة المتخلفين بشراشرهم عن الدنيا وحطامها؟ وإنكار وجود مثلهم، والقدح في الكل مع كثرتهم في أقطار الأرض غاية اللجاج والعناد. ولو سلمنا منكم ذلك، فلم ما اقتديتم يطوائف الأنبياء والأوصياء، مع أنهم أعلم الناس باتفاق الكل، وحقيقة العلم ليس إلا عندهم؟ فإن أنكروا أعلميتهم وعصمتهم من المعاصي، واحتملوا كونهم أمثالا لهم، ظهر ما في بواطنهم من الكفر الخفي.
وأما موافقة الأقران، فعلاجه أن يتذكر إن الله يسخط عليه ويبغضه إذا اختار رضا المخلوقين على رضاه، وكيف يرضى المؤمن أن يترك رضا ربه لرضا بعض أرذال الناس؟ وهل هذا إلا كونه تعالى أهون عنده منهم؟
وهو ينافي الإيمان.
وأما استشعاره من رجل أنه يقبح عند محتشم حاله أو يشهد عليه بشهادة فيبادره بالغيبة إسقاطا لأثر كلامه، فعلاجه أن يعلم: (أولا) إن مجرد الاستشعار لا يستلزم الوقوع، فلعله لا يقبح حاله ولا يشهد عليه،