مجرد ما يتجاهر به فلا إثم عليه، إذ صاحبه لا يستنكف من ذكره، وربما يتفاخر به ويقصد إظهاره. ومع قطع النظر عن ذلك، فالأخبار دالة عليه، كما تقدم جملة منها. وقال رسول الله (ص): " من ألقى جلباب الحياء من وجهه فلا غيبة له ". وقال (ص): " ليس لفاسق غيبة ".
والظاهر أن ذكر ما يتجاهر به من العيوب ليس غيبة، لا شرعا ولا لغة، لا أنه غيبة استثنى جوازها شرعا، قال الجوهري: " الغيبة أن يتكلم خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه، فإن كان صدقا سمي غيبة، وإن كان كذبا سمي بهتانا ".
هذا وقد صرح جماعة بجواز الغيبة في موضعين آخرين: أحدهما:
أن يكون اثنان أو أكثر مطلعين على عيب رجل، فيقع تحاكيه بينهم من غير أن يظهروه لغيرهم ممن لم يطلع عليه، وفي بعض الأخبار المتقدمة دلالة على جوازه، كما لا يخفى. وثانيهما: أن يكون متعلقها - أعني المقول فيه - غير محصور، كأن يقال: " قال قوم كذا، أو أهل البلد الفلاني كذا ".
ومثله إذا قال: " بعض الناس يقول أو يفعل كذا، أو من مر بنا اليوم شأنه كذا "، إذا لم يتعين البعض والمال عند المخاطب، ولو انتقل إلى شخص معين لقيام بعض القرائن، كانت غيبة محرمة، وكذا لو قال: " بعض من قدم من السفر، أو بعض من يدعي العلم "، إن كان معه قرينة يفهم عين الشخص فهو غيبة وإلا فلا. وكذا ذكر مصنف في كتابه فاضلا معينا، وتهجين كلامه بلا اقتران شئ من الأعذار المحوجة إلى ذكره غيبة، وأما لو ذكره بدون تعيينه، كأن يقول: " ومن الفضلاء من صدر عنه في المقام هفوة أو عثرة " فليس غيبة، ثم السر في اشتراط الغيبة بكونه تعريضا لشخص معين وعدم كون التعرض بالمبهم وغير المحصور غيبة، عدم حصول الكراهة مع الإبهام وعدم الانحصار، كما لا يخفى. وربما كان في بعض الأخبار أيضا إشعار به، وقد كان رسول الله (ص) إذا كره من إنسان شيئا يقول:
" ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا " من دون تعيين للفاعل.
ج: 2