عن الفراء لا ينبغي الشك في عدم كون المقصود من هذه الرواية افهام هذا الحكم إذ من المستبعد جدا بل المستحيل عقلا ان يكون غرض الامام بيان وجوب الفراغ من الجانب الأيمن حتى باطن الرجلين ثم الشروع في الجانب الأيسر ويعبر بمثل هذه العبارة التي أنكر ظهورها في المدعى أغلب من تصدى للاستدلال بها مع كون ما أريد منها من الافراد النادرة التي لا تكاد تتحقق في الخارج ممن يريد غسل جسده الا بملزم تعبدي ولا ينصرف الذهن إليه الا بالتنصيص عليه نعم إرادة الترتيب بين الرأس والجسد من مثل هذه الاشعارات بل من مطلقات الاخبار [ايض] امر ممكن وكذا لو كان مطلق الابتداء بالشق الأيمن واجبا لا الفراغ منه أو كان الحكم مستجيبا قابلا لان يتسامح فيه لأمكن ارادته من مثل الاشعارات بل لا يبعد القول باستحبابه بناء على عدم وجوب الترتيب تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله على ما في بعض الروايات العامية من أنه صلى الله عليه وآله كان إذا اغتسل بدأ بالشق الأيمن * (وكيف) * كان فالاستدلال بهذه الرواية للمدعى ضعيف في الغاية * (وقد) * يستدل له بالأخبار المستفيضة الواردة في كيفية غسل الميت الظاهرة في وجوب الترتيب بين الجانبين بضميمة الأخبار الكثيرة المصرحة بان غسل الميت بعينه هو غسل الجنابة وانما وجب تغسيله لصيرورته جنبا عند الموت وفي بعض الروايات انه مثله مثل ما رواه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال غسل الميت مثل غسل الجنابة وان كان كثير الشعر فرد عليه الماء ثلاث مرات ومقتضى عموم التشبيه كونهما متماثلين من جميع الجهات * (وفيه) * ان كون غسل الميت بعينه هو غسل الجنابة كما هو مقتضى أغلب الاخبار لا يقتضى الا اعتبار جميع ما يعتبر في غسل الجنابة فيه بان يكون غسل الميت من مصاديق غسل الجنابة واما انه يعتبر في جميع مصاديق غسل الجنابة كل ما يعتبر في غسل الميت فلا الا ترى أنه يجب في غسل الميت تثليث الغسلات واستعمال السدر والكافور ولا يجب ذلك على الجنب فمن الجائز ان يكون إلزام الشارع بهذا القسم من الغسل أعني مرتبا بالنسبة إلى الميت مسببا عن خصوصية فيه ككونه أفضل الافراد فأوجبه الشارع تعظيما للميت أو كون سائر الأقسام موجبا لتوهين الميت بإقامته على قدميه أو اقعاده أو القائه على وجهه أو غير ذلك من الخصوصيات التي يعلمها الشارع والتخطي عن المورد المنصوص لا يجوز الا بعد القطع بإلغاء الخصوصية وغاية ما يمكن دعوى استفادته من الاخبار ليس إلا ان وجوب غسل الميت لصيرورته جنبا واما ان ايجاده بهذه الكيفية أيضا مسبب عن كونه جنبا فلا واما التشبيه في رواية محمد بن مسلم وان كان مقتضى اطلاقه ما ذكر ولكن العرف لا يساعد على استفادة إرادة عموم المنزلة من الطرفين في أغلب موارد استعمالاته فإنه لا ينسبق إلى الذهن في مثل المقام الا إرادة تشبيه غسل الميت بغسل الجنب في الكيفيات المعهودة المعتبرة دون العكس وعلى تقدير تسليم الظهور في المدعى فليس على وجه يوجب التصرف في ظواهر الأدلة الواردة في بيان كيفية غسل الجنابة الدالة على عدم اعتبار الترتيب بين الجانبين كما سيتضح لك فيما بعد [انش] * (واحتج) * في محكى الروض على وجوب الترتيب بين الجانبين بعدم القول بالفصل قال فيما حكى عنه ان هذه الروايات وان دلت صريحا على تقديم الرأس على غيره لعطف الأيمن عليه بثم الدال على التعقيب لكن تقديم الأيمن على الأيسر استفيد من الخارج إن لم نقل بإفادة الواو الترتيب كما ذهب إليه الفراء بل على مطلق الجمع أعم من الترتيب وعدمه كما هو رأى الجمهور إذ لا قائل بوجوب الترتيب في الرأس دون البدن والفرق احداث قول ثالث ولان الترتيب قد ثبت في الطهارة الصغرى على هذا الوجه فكل من قال بالترتيب في غسل الجنابة فالفرق مخالف للاجماع المركب فيهما وما ورد من الاخبار أعم من ذلك يحمل مطلقها على مقيدها انتهى * (أقول) * يظهر من جملة من المتأخرين وغير واحد من قدماء أصحابنا على ما حكى عنهم اختيار التفصيل فيشكل الاعتماد على ما ادعاه من الاجماع المركب كما أنه يضعف بذلك الاستدلال بالاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة هذا مع أن حجية الاجماع المحصل فضلا عن منقولة منوطة بحصول القطع بحكم الله الواقعي الذي هو رأى المعصوم (ع) أو الجزم بعثور المجمعين على دليل معتبر ولو ظنيا بحيث لو وصل الينا لرأيناه دليلا تام الدلالة وكيف يمكن في المقام حصول القطع بذلك مع ظهور جل اخبار الباب بل كلها في خلافه نعم لو كان الحكم الذي ذهب إليه المشهور مخالفا للاحتياط لأمكن حصول الاطمينان بعثورهم على دليل معتبر واما في مثل المقام يشكل الجزم بذلك وغايته الظن الذي لم يقم دليل على اعتباره * (بل) * الانصاف عدم حصول الظن أيضا مع خلو جميع الأخبار الواردة في بيان كيفية الغسل عن التعرض للترتيب الذي كان أحوج إلى البيان من سائر الخصوصيات التي وقع التنصيص عليها في الاخبار بل ظهور أغلبها في عدمه كالاخبار الامرة بغسل الجسد كله بعد غسل الرأس الظاهرة في كفاية مطلقه بل لا يبعد دعوى أن القدر المتيقن الذي ينسبق إلى الذهن من مثل هذه الأخبار انما هو ما لو غسل من كتفيه إلى رجليه بحيث ينتهى الغسل إلى الرجلين فكيف يمكن تنزيل الاطلاقات الواردة في مقام البيان على إرادة غسل الجانب الأيسر بعد الفراغ من الجانب الأيمن مع كونه من الافراد النادرة التي لا يلتفت الذهن إلى ارادتها بالخصوص من الاطلاق أصلا * (و) * دعوى إهمال الأدلة من هذه الجهة وكون الامر بغسل الجسد إشارة إلى الغسل على الوجه المعهود لديهم يبعدها سياق أغلبها والتعرض فيها لبيان الترتيب بين الرأس والجسد مع كون الترتيب بين الجانبين على تقدير وجوبه إلى البيان هذا مع أنه ربما يظهر من بعض الأخبار بالخصوص عدم اعتبار الترتيب بين الجانبين منها موثقة سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل فليفرغ على كفيه فليغسلهما دون المرفق ثم يدخل يده في انائه
(٢٤٥)