ولكن لا أساس لهذا التوهم، ضرورة أن كلمة (هذا) لم توضع بإزاء المفرد المذكر، إذ لو كانت موضوعة بإزائه لكان لازم ذلك أن يكون معناها معنى اسميا لا حرفيا ومرادفة لكلمة المفرد المذكر، وهذا باطل جزما، لوضوح أن المتبادر من كلمة (هذا) غير ما هو المتبادر من كلمة المفرد المذكر، فإن المتبادر منها مفهومه، ولذلك تكون من أسماء الأجناس، فلا يعقل أن تكون مرادفه لأسماء الإشارة.
الثانية: قد يقال: إن أسماء الإشارة موضوعة بإزاء الإشارة الخارجية التي هي نسبة خارجية بين وجود المشير ووجود المشار إليه في الخارج، في مقابل الإشارة الذهنية التي هي نسبة بينهما في الذهن.
ولكن هذا القول أيضا باطل.
أما أولا: فلما ذكرناه في باب الوضع من أن الألفاظ لم توضع بإزاء المعاني المقيدة بالوجود الخارجي منها أسماء الإشارة ونحوها، كما أنها لم توضع بإزاء المعاني المقيدة بالوجود الذهني، أو فقل: إن وضع اللفظ بإزاء المعنى المقيد بالوجود الخارجي وإن كان ممكنا ثبوتا إلا أنه لم يقع في اللغات، لأنها موضوعة بإزاء معاني قد توجد في الذهن وقد توجد في الخارج، وأما إذا وضعت بإزاء المعاني المقيدة بالوجود الخارجي، فلا يمكن انطباقها عليها في الذهن، وكذلك الأمر بالعكس. فالنتيجة أن عدم وضع أسماء الإشارة ونظيراتها للمعاني المقيدة بالوجود الخارجي أمر مقطوع به.
وثانيا: أن لازم ذلك هو كون الدلالة الوضعية دلالة تصديقية، على أساس أن الموجود الخارجي مساوق للتصديق به، فإذا كان المعنى الموضوع له مقيدا بالوجود الخارجي فهو مدلول تصديقي للفظ، ولكن تقدم أن الدلالة الوضعية