وثالثا: أن الغرض من وضع الألفاظ في كل لغة إنما هو إشباع حاجة الانسان في حياته الاعتيادية في وجه هذه الكرة في كل وقت وعصر، وحيث إن حياة الانسان منذ ولادته على وجه الكرة حياة بسيطة جدا ولهذا يكتفي في مقام التفهيم والتفهم مع الآخرين بالوسائل الطبيعية البدائية الساذجة كالاشارات والتصويرات وتقليد الأصوات وما شاكلها، ويعبر عنها بالمنبهات الطبيعية، ثم بدأت تتكامل وتتوسع بتمام شؤونها يوما بعد يوم وقرنا بعد آخر، فلهذا تتطلب استخدام الوسائل والأساليب الأكثر شمولا واستيعابا للمعاني وعدم كفاية استخدام الوسائل البدائية وهي متمثلة في الألفاظ واللغات التي تلعب دورا محوريا أساسيا في كل مجتمع، ومن المعلوم أن الغرض من الوضع لا يختص بالوضع الحقيقي الشخصي، بل يترتب على الأعم منه ومن الوضع النوعي المجازي، إذ كما أن العلاقة الحاصلة بين اللفظ والمعنى بالوضع الشخصي مصححة للاستعمال ووافية بالغرض، كذلك العلاقة الحاصلة بينه وبين المعنى المجازي بتبع العلاقة الأولى، فإنها مصححة له.
فإذا فرض وضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدأ بالفعل، فإنه كما يوجب صحة استعماله واستخدامه فيه إذا تعلقت الحاجة بإبرازه للآخرين، كذلك يوجب صحة استعماله في الأعم منه عند تعلق الحاجة به، وعلى هذا فأكثرية استعمال المشتق في المنقضي في حال انقضاء المبدأ عنه من استعماله في المتلبس خاصة لا ينافي حكمة الوضع، لأن حكمة الوضع تتطلب وضع اللفظ بإزاء معنى بغرض استعماله فيه وفي كل ما يناسبه من المعاني، لا أنها تتطلب استعماله في الأول فقط وهو معناه الموضوع له مباشرة دون غيره، فالنتيجة أن الحكمة التي تتطلب وضع الألفاظ بإزاء المعاني هي استخدامها واستعمالها فيها عند تعلق الحاجة بإبرازها للآخرين بلا فرق في ذلك بين أن تكون تلك المعاني من المعاني