والمكان وإن كانت هيئة واحدة ومشتركة بينهما، إلا أن اشتراكهما فيها إنما هو في اللفظ فقط لا في المعنى، وذلك لأن معنى كل من اسمي الزمان والمكان معنى حرفي، وليس معناه مفهوم الظرفية بالحمل الأولى الذي هو مفهوم اسمي، بل واقع الظرفية الذي هو ظرف بالحمل الشائع ونسبة بين الظرف والمظروف، وحيث إن النسبة متقومة ذاتا وحقيقة بشخص وجود طرفيها، فبطبيعة الحال تختلف النسبة الظرفية في ظرف الزمان عن النسبة الظرفية في ظرف المكان، على أساس أن شخص طرفيها في الأول يختلفان عن شخص طرفيها في الثاني، فإذن لا محالة تختلف النسبتان ولا يعقل اشتراكهما في جامع ذاتي، لما ذكرناه في بحث الحروف من أن الجامع الذاتي بين أنحاء النسب والروابط غير معقول، لأن المقومات الذاتية لكل نسبة مباينة للمقومات الذاتية للنسبة الأخرى، ومع إلغائها فلا نسبة في البين، ومع الحفاظ عليها، فالنسب وإن كانت ثابتة إلا أنها متباينات بالذات والحقيقة.
وعلى هذا فما أفاده قدس سره من أن هيئة (مفعل) موضوعة بوضع واحد لمعنى واحد كلي فلا يمكن المساعدة عليه، لأنه إن أريد بالمعنى الكلي الجامع الذاتي بين ظرف الزمان وظرف المكان، فقد عرفت أن الجامع الذاتي بينهما غير متصور، وإن أريد بالجامع العنواني الانتزاعي، فهو وإن كان أمرا معقولا وجامعا بينهما إلا أن الهيئة المشتركة لم توضع بإزائه، لأنه مفهوم اسمي لا حرفي، ومعنى الهيئة معنى حرفي.
ودعوى أنه لا مانع من الالتزام بوضع الهيئة للنسبتين بالوضع العام والموضوع له الخاص، بأن يتصور الواضع الجامع العنواني بينهما، وهو عنوان الظرفية ويوضع اللفظ بإزاء واقعه وهو النسبتان بنحو الوضع العام