فدلالة هذه الآية وما شابهها على جوازه، منوطة بإبطال تلك الوجوه العقلية والسبل البرهانية، ولأجل ذلك نشير إلى تلك الوجوه أولا حتى يتبين الاستدلال (1).
وغير خفي: أن الآية لا تدل على الخلود، فالبحث عن مسألة الخلود هنا - كما في بعض تفاسيرنا - غير واقع في محله.
وأيضا لا يخفى أن هذه الآية لا تدل على أنهم يذوقون العذاب العظيم، ولا تدل على وجود العذاب العظيم في الآخرة لسكوتها عنه، ومجرد دلالة سائر الآيات على شئ لا يكفي لعد هذه الآية من الآيات الدالة على تلك المسألة العقلية، فلا وجه للخوض في مطلق الأدلة العقلية، القائم بعضها على عدم جواز التعذيب الخارجي، أو عدم إمكانه عقلا، فإنه أمر آخر يأتي في محاله الاخر إن شاء الله تعالى.
والذي هو الممحض للبحث هنا: هو أن هذه الآية ظاهرة في استحقاق الكفار للعذاب العظيم، وقد قامت الحجة العقلية - مثلا - على خلافه.
وبالجملة: من الوجوه التي يمكن الاستدلال بها لإنكار الاستحقاق مقالة المجبرة.
والجواب عنها - بعد وضوح فساد مقالتهم، وبعد أن المجبرة من القائلين بجواز العقاب لإنكارهم الحسن والقبح العقليين -: هو أن مناط الاستحقاق يمكن أن يكون الحسن والقبح العقلائيين، ولا شبهة في ذلك عند ذي مسكة، فضلا عن اولي الألباب والبصائر.