ومن تلك الوجوه، وهو أهمها: أنه سبحانه خالق الدواعي التي تستلزم المعاصي، وتلك لحكمة النظام ومصلحة الخلائق في معيشة الدنيا، وفي التمدن والحضارة التي تكون الناس مجبولة عليها، ضرورة أن الناس لو كانوا كلهم صالحين مؤمنين خائفين من عقاب الله، لاختل نظام الدنيا، وبطل أسباب الحياة الظاهرة. ولا ريب أن حصول الدواعي ليس تحت اختيار العباد، وإلا لكان للدواعي داع آخر، ويعود الكلام جذعا، فيتسلسل، أو ينتهي إلى داع حصل بخلق الله تعالى، فإذا كان هو الخالق للدواعي الشيطانية التي توجب المعاصي، فيكون هو الملجئ إليه، فيقبح منه تعالى أن يعاقبهم عليها، كما هو الظاهر الواضح (1).
فعلى هذا تحمل الآيات الظاهرة في العذاب على مجرد الإرهاب والإرعاب، من غير استتباع للعذاب والعقاب، لعدم استحقاقهم شيئا منها، وظهور هذه الآية في الاستحقاق غير قابل للاعتقاد به، وغير صالح للتمسك والركون إليه، أو تكون محمولة على أن نفس الطبع والختم والغشاوة هو العذاب العظيم الذي لهم فعلا، بل هذا الاحتمال قوي لظهور الجملة في الفعلية، أي ولهم عذاب عظيم بالفعل وفي الحال، وليس هو إلا نفس الابتداء بتلك الحجب العقلانية والسمعية والبصرية.
أقول: اختار صاحب " الحكمة المتعالية " في حل المشكلة سبيل التحقيق الإيماني في حقيقة العقوبة، وأنها من ناحية الأعمال وتبعاتها والنتائج وثمراتها، ولا يلحق العذاب ولا العقوبة الكفار من جهة