وبالجملة - هو: أن الله سبحانه إنما كلف عباده لما يعود إليهم من النفع، قال: * (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) * (1)، فإذا عصينا فقد فوتنا على أنفسنا المنافع الكثيرة المرغوب فيها، فإذا هل يحسن العقول أن يأخذكم الحكيم، ويعذبكم بالعذاب الشديد، معللا: بأنكم قد فوتم على أنفسكم المنافع والخيرات؟! وهل هذا يحسن من السيد معللا: بأنك ما جلبت الخير، فأنا أوجه إليك الشر، وغير ذلك من التعابير؟! فيعلم أن العذاب ليس على مبنى الاستحقاق، خلافا للآية الشريفة الظاهرة في استحقاقهم (2).
أقول: إن حكم العقلاء في مثل تعذيب الآباء بالنسبة إلى الأولاد، من الأمور المتسالم عليها عند الكل، مع أنه لا يرجع النفع إلا إليهم. هذا أولا.
وثانيا: يكفي للاستحقاق التخطي عن أوامر المولى والتجاوز إلى الحدود الممنوعة والدخول في حماه، من غير نظر إلى المصالح والمفاسد، وإلى من يرجع إليه الخير والنفع أو الشر والضرر، وقد علمت أن الكلام حول الاستحقاق، وأما الاستيحاش من التعذيب بحسب الواقع ونفس الأمر، فلا يستلزم نفي الاستحقاق، لإمكان كون التعذيب - كما سنشير إليه - راجعا إلى خير العبد وصلاحه، ويكون العذاب من مظاهر الرحمة الرحيمية، ومن العنايات الخاصة السبحانية.
وثالثا: إن النار في الآخرة تفعل بالإرادة، * (وإن الدار الآخرة لهي