عندهم من شريعة إبراهيم والله أعلم وهذا كله قبل النبوة وأما بعد النبوة فقد تقدم القول فيه في تفسير سورة الأنعام (قوله إلى أهله) يعني خديجة وأولاده منها وقد سبق في تفسير سورة النور في الكلام على حديث الإفك تسمية الزوجة أهلا ويحتمل أن يريد أقاربه أو أعم (قوله ثم يرجع إلى خديجة فيتزود) خص خديجة بالذكر بعد أن عبر بالأهل إما تفسيرا بعد إبهام وإما إشارة إلى اختصاص التزويج بكونه من عندها دون غيرها (قوله فيتزود لمثلها) في رواية الكشميهني بمثلها بالموحدة والضمير لليالي أو للخلوة أو للعبادة أو للمرات أي السابقة ثم يحتمل أن يكون المراد أنه يتزود ويخلو أياما ثم يرجع ويتزود ويخلو أياما ثم يرجع ويتزود ويخلو أياما إلى أن ينقضي الشهر ويحتمل أن يكون المراد أن يتزود لمثلها إذا حال الحول وجاء ذلك الشهر الذي جرت عادته أن يخلو فيه وهذا عندي أظهر ويؤخذ منه إعداد الزاد للمختلي إذا كان بحيث يتعذر عليه تحصيله لبعد مكان اختلائه من البلد مثلا وأن ذلك لا يقدح في التوكل وذلك لوقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم بعد حصول النبوة له بالرؤيا الصالحة وإن كان الوحي في اليقظة فقد تراخى عن ذلك (قوله وهو في غار حراء) جملة في موضع الحال (قوله فجاءه الملك) هو جبريل كما جزم به السهيلي وكأنه أخذه من كلام ورقة المذكور في حديث الباب ووقع عند البيهقي في الدلائل فجاءه الملك فيه أي في غار حراء كذا عزاه شيخنا البلقيني للدلائل فتبعته ثم وجدته بهذا اللفظ في كتاب التعبير فعزوله له أولى * (تنبيه) * إذا علم أنه كان يجاور في غار حراء في شهر رمضان وأن ابتداء الوحي جاء وهو في الغار المذكور اقتضى ذلك أنه نبئ في شهر رمضان ويعكر على قول ابن إسحاق أنه بعث على رأس الأربعين مع قوله إنه في شهر رمضان ولد ويمكن أن يكون المجئ في الغار كان أولا في شهر رمضان وحينئذ نبي وأنزل عليه اقرأ باسم ربك ثم كان المجئ الثاني في شهر ربيع الأول بالانذار وأنزلت عليه يا أيها المدثر قم فأنذر فيحمل قول بن إسحاق على رأس الأربعين أي عند المجئ بالرسالة والله أعلم (قوله اقرأ) يحتمل أن يكون هذا الامر لمجرد التنبيه والتيقظ لما سيلقى إليه ويحتمل أن يكون على بابه من الطلب فيستدل به على تكليف ما لا يطاق في الحال وان قدر عليه بعد ذلك ويحتمل أن تكون صيغة الامر محذوفة أي قل اقرأ وإن كان الجواب ما أنا بقارئ فعلى ما فهم من ظاهر اللفظ وكان السر في حذفها لئلا يتوهم أن لفظ قل من القرآن ويؤخذ منه جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب وأن الامر على الفور لكن يمكن أن يجاب بأن الفور فهم من القرينة (قوله ما أنا بقارئ) وقع عند ابن إسحاق في مرسل عبيد بن عمير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب قال اقرأ قلت ما أنا بقارئ قال السهيلي قال بعض المفسرين إن قوله ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه إشارة إلى الكتاب الذي جاء به جبريل حيث قال له اقرأ (قوله فغطني) تقدم بيانه في بدء الوحي ووقع في السيرة لابن إسحاق فغتني بالمثناة بدل الطاء وهما بمعنى والمراد غمني وصرح بذلك بن أبي شيبة في مرسل عبد الله بن شداد وذكر السهيلي أنه روى سأبي بمهملة ثم همزة مفتوحة ثم موحدة أو مثناة وهما جميعا بمعنى الخنق وأغرب الداودي فقال معنى فغطني صنع بي شيئا حتى ألقاني إلى الأرض كمن تأخذه الغشية والحكمة في هذا الغط شغله عن الالتفات لشئ آخر أو لاظهار الشدة والجد في الامر تنبيها على ثقل القول الذي سيلقى إليه فلما ظهر أنه صبر على ذلك ألقى إليه وهذا وأن كان بالنسبة إلى علم الله حاصل لكن لعل المراد إبرازه
(٥٥١)