للظاهر بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم وقيل ليختبر هل يقول من قبل نفسه شيئا فلما لم يأت بشئ دل على أنه لا يقدر عليه وقيل أراه أن يعلمه أن القراءة ليست من قدرته ولو أكره عليها وقيل الحكمة فيه أن التخييل والوهم والوسوسة ليست من صفات الجسم فلما وقع ذلك لجسمه على أنه من أمر الله وذكر بعض من لقيناه أن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم ينقل عن أحد من الأنبياء أنه جرى له عند ابتداء الوحي مثل ذلك (قوله فغطني الثالثة) يؤخذ منه أن من يريد التأكيد في أمر وإيضاح البيان فيه أن يكرره ثلاثا وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كما سيق في كتاب العلم ولعل الحكمة في تكرير الأقراء الإشارة إلى انحصار الايمان الذي ينشأ الوحي بسببه في ثلاث القول والعمل والنية وأن الوحي يشتمل على ثلاث التوحيد والاحكام والقصص وفي تكرير الغط الإشارة إلى الشدائد الثلاث التي وقعت له وهي الحصر في الشعب وخروجه في الهجرة وما وقع له يوم أحد وفي الارسالات الثلاث إشارة إلى حصول التيسير له عقب الثلاث المذكورة في الدنيا والبرزخ والآخرة (قوله فقال اقرأ باسم ربك إلى قوله ما لم يعلم) هذا القدر من هذه السورة هو الذي نزل أولا بخلاف بقية السورة فإنما نزل بعد ذلك بزمان وقد قدمت في تفسير المدثر بيان الاختلاف في أول ما نزل والحكمة في هذه الأولية أن هذه الآيات الخمس اشتملت على مقاصد القرآن ففيها براعة الاستهلال وهي جديرة أن تسمى عنوان القرآن لان عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله وهذا بخلاف الفن البديعي المسمى العنوان فإنهم عرفوه بأن يأخذ المتكلم في من فيؤكده بذكر مثال سابق وبيان كونها اشتملت على مقاصد القرآن أنها تنحصر في علوم التوحيد والاحكام والاخبار وقد اشتملت على الامر بالقراءة والبداءة فيها ببسم الله وفي هذه الإشارة إلى الاحكام وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفاته من صفة ذات وصفة فعل وفي هذا إشارة إلى أصول الدين وفيها ما يتعلق بالاخبار من قوله علم الانسان ما لم يعلم (قوله باسم ربك) استدل به السهيلي على أن البسملة يؤمر بقراءتها أول كل سورة لكن لا يلزم من ذلك أن تكون آية من كل سورة كذا قال وقرره الطيبي فقال قوله اقرأ باسم ربك قدم الفعل الذي هو متعلق الباء لكون الامر بالقراءة أهم وقوله أقرأ أمر بإيجاد القراءة مطلقا وقوله باسم ربك حال أي اقرأ مفتتحا باسم ربك وأصح تقاديره قل باسم الله ثم اقرأ قال فيؤخذ منه أن البسملة مأمور بها في ابتداء كل قراءة انتهى لكن لا يلزم من ذلك أن نكون مأمورا بها فلا تدل على أنها آية من كل سورة وهو كما قال لأنها لو كان للزم أن تكون آية قبل كل آية وليس كذلك وأما ما ذكره القاضي عياض عن أبي الحسن بن القصار من المالكية أنه قال في هذه القصة رد على الشافعي في قوله إن البسملة آية من كل سورة قال لان هذا أول سورة أنزلت وليس في أولها البسملة فقد تعقب بأن فيها الامر بها وأن تأخر نزولها وقال النووي ترتيب آي السور في النزول لم يكن شرطا وقد كانت الآية تنزل فتوضع في مكان قبل التي نزلت قبلها ثم تنزل الأخرى فتوضع قبلها إلى أن استقر الامر في آخر عهده صلى الله عليه وسلم على هذا الترتيب ولو صح ما أخرجه الطبري من حديث ابن عباس أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة والبسملة قبل قوله اقرأ لكان أولى في الاحتجاج لكن في إسناده ضعف وانقطاع وكذا حديث أبي ميسرة أن أول ما أمر به جبريل قال له قل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين هو مرسل وأن كان رجاله ثقات والمحفوظ أن أول
(٥٥٢)