تقدم في أوائل المبعث في باب ذكر الجن أن ابن إسحاق وابن سعد ذكرا أن ذلك كان في ذي القعدة سنة عشر من المبعث لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم رجع منها ويؤيده قوله في هذا الحديث أن الجن رأوه يصلي بأصحابه صلاة الفجر والصلاة المفروضة إنما شرعت ليلة الاسراء والاسراء كان على الراجح قبل الهجرة بسنتين أو ثلاث فتكون القصة بعد الاسراء لكنه مشكل من جهة أخرى لان محصل ما في الصحيح كما تقدم في بدء الخلق وما ذكره بن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الطائف لم يكن معه من أصحابه إلا زيد بن حارثة وهنا قال إنه انطلق في طائفة من أصحابه فلعلها كانت وجهة أخرى ويمكن الجمع بأنه لما رجع لاقاه بعض أصحابه في أثناء الطريق فرافقوه (قوله عامدين) أي قاصدين (قوله إلى سوق عكاظ) بضم المهملة وتخفيف الكاف وآخره ظاء المعجمة بالصرف وعدمه قال اللحيائي الصرف لأهل الحجاز وعدمه لغة تميم وهو موسم معروف للعرب بل كان من أعظم مواسمهم وهو نخل في واد بين مكة والطائف وهو إلى الطائف أقرب بينهما عشرة أميال وهو وراء قرن المنازل بمرحلة من طريق صنعاء اليمن وقال البكري أول ما أحدثت قبل الفيل بخمس عشرة ولم تزل سوقا إلى سنة تسع وعشرين ومائة فخرج الخوارج الحرورية فنهبوها فتركت إلى الآن وكانوا يقيمون به جميع شوال يتبايعون ويتفاخرون وتنشد الشعراء ما تجدد لهم وقد كثر ذلك في أشعارهم كقول حسان سأنشر إن حييت لكم كلاما * ينشر في المجامع من عكاظ وكان المكان الذي يجتمعون به منه يقال له الابتداء وكانت هناك صخور يطوفون حولها ثم يأتون مجنة فيقيمون بها عشرين ليلة من ذي القعدة ثم يأتون ذا المجاز وهو خلف عرفة فيقيمون به إلى وقت الحج وقد تقدم في كتاب الحج شئ من هذا وقال ابن التين سوق عكاظ من إضافة الشئ إلى نفسه كذا قال وعلى ما تقدم من أن السوق كانت تقام بمكان من عكاظ يقال له الابتداء لا يكون كذلك (قوله وقد حيل) بكسر الحاء المهملة وسكون التحتانية بعدها لام أي حجز ومنع على البناء للمجهول (قوله بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب) بضمتين جمع شهاب وظاهر هذا أن الحيلولة وإرسال الشهب وقع في هذا الزمان المقدم ذكره والذي تضافرت به الاخبار أن ذلك وقع لهم من أول البعثة النبوية وهذا مما يؤيد تغاير زمن القصتين وأن مجئ الجن لاستماع القرآن كان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بسنتين ولا يعكر على ذلك إلا قوله في هذا الخبر إنهم رأوه يصلي بأصحابه صلاة الفجر لأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل فرض الصلوات ليلة الاسراء فإنه صلى الله عليه وسلم كان قبل الاسراء يصلي قطعا وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل افترض قبل الخمس شئ من الصلاة أم لا فيصح على هذا قول من قال إن الفرض أولا كان صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها والحجة فيه قوله تعالى فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ونحوها من الآيات فيكون إطلاق صلاة الفجر في حديث الباب باعتبار الزمان لا لكونها إحدى الخمس المفترضة ليلة الاسراء فتكون قصة الجن متقدمة من أول المبعث وهذا الموضع مما لم ينبه عليه أحد ممن وقفت على كلامهم في شرح هذا الحديث وقد أخرج الترمذي والطبري حديث الباب بسياق سالم من الاشكال الذي ذكرته من طريق أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت الجن تصعد إلى السماء الدنيا يستمعون
(٥١٤)