ابن عمارة وعمرو بن ورقة ولبيد بن ربيعة والمغيرة بن الحرث وهشام بن الوليد المخزومي فهؤلاء زيادة على أربعين نفسا (قوله ولم يمط الأنصار شيئا) ظاهر في أن العطية المذكورة كانت من جميع الغنيمة وقال القرطبي في المفهم الاجراء على أصول الشريعة أن العطاء المذكور كان من الخمس ومنه كان أكثر عطاياه وقد قال في هذه الغزوة للاعرابي ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو وعلى الأول فيكون ذلك مخصوصا بهذه الواقعة وقد ذكر السبب في ذلك في رواية قتادة عن أنس في الباب حيث قال أن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم (قلت) الأول هو المعتمد وسيأتي ما يؤكده والذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي ولكنه ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا خالف وقيل إنما كان تصرف في الغنيمة لان الأنصار كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فرد الله أمر الغنيمة لنبيه وهذا معنى القول السابق بأنه خاص بهذه الواقعة واختار أبو عبيد أنه كان من الخمس وقال ابن القيم اقتضت حكمة الله أن فتح مكة كان سببا لدخول كثير من قبائل العرب في الاسلام وكانوا يقولون دعوه وقومه فإن غلبهم دخلنا في دينه وأن غلبوه كفونا أمره فلما فتح الله عليه استمر بعضهم على ضلاله فجمعوا له وتأهبوا لحربه وكان من الحكمة في ذلك أن يظهر أن الله نصر رسوله لا بكثرة من دخل في دينه من القبائل ولا بانكفاف قومه عن قتاله ثم لما قدر الله عليه من غلبته إياهم قدر وقوع هزيمة المسلمين مع كثرة عددهم وقوة عددهم ليتبين لهم أن النصر الحق إنما هو من عنده لا بقوتهم ولو قدر أن يغلبوا الكفار ابتداء لرجع من رجع منهم شامخ الرأس متعاظما فقدر هزيمتهم ثم أعقبهم النصر ليدخلوا مكة كما دخلها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح متواضعا متخشعا واقتضت حكمته أيضا أن غنائم الكفار لما حصلت ثم قسمت على من لم يتمكن الايمان من قلبه لما بقي فيه من الطبع البشرى في محبة المال فقسمه فيهم لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته لأنها جبلت على حب من أحسن إليها ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم بخلاف قسمته على المؤلفة لان فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم في الاسلام ولتقوية قلب من دخل فيه قبل تبعهم من دونهم في الدخول فكان في ذلك عظيم المصلحة ولذلك لم يقسم فيهم من أموال أهل مكة عند فتحها قليلا ولا كثيرا مع احتياج الجيوش إلى المال الذي يعينهم على ما هم فيه فحرك الله قلوب المشركين لغزوهم فرأى كثيرهم أن يخرجوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم فكانوا غنيمة للمسلمين ولو لم يقذف الله في قلب رئيسهم أن سوقة معه هو الصواب لكان الرأي ما أشار إليه دريد فخالفه فكان ذلك سببا لتصييرهم غنيمة للمسلمين ثم اقتضت تلك الحكمة أن تقسم تلك الغنائم في المؤلفة ويوكل من قلبه ممتلئ بالايمان إلى إيمانه ثم كان من تمام التأليف رد من سبى منهم إليهم فانشرحت صدورهم للاسلام فدخلوا طائعين راغبين وجبر ذلك قلوب أهل مكة بما نالهم من النصر والغنيمة عما حصل لهم من الكسر والرعب فصرف عنهم شر من كان يجاورهم من أشد العرب من هوازن وثقيف بما وقع بهم من الكسرة وبما قيض لهم من الدخول في الاسلام ولولا ذلك ما كان أهل مكة
(٣٩)