الآية وقال بعضهم ليس في الآية دلالة على أن الله لم يطلع نبيه على حقيقة الروح بل يحتمل أن يكون أطلعه ولم يأمره أنه يطلعهم وقد قالوا في علم الساعة نحو هذا والله أعلم وممن رأى الامساك عن الكلام في الروح إسناد الطائفة أبو القاسم فقال فيما نقله في عوارف المعارف عنه بعد أن نقل كلام الناس في الروح وكان الأولى الامساك عن ذلك والتأدب بأدب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نقل عن الجنيد أنه قال الروح استأثر الله تعالى بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه فلا تجوز العبادة عنه بأكثر من موجوده وعلى ذلك جرى ابن عطية وجمع من أهل التفسير وأجاب من خاض في ذلك بأن اليهود سألوا عنها سؤال تعجيز وتغليط لكونه يطلق على أشياء فأضمروا أنه بأي شئ أجاب قالوا ليس هذا المراد فرد الله كيدهم وأجابهم جوابا مجملا مطابقا لسؤالهم المجمل وقال السهروردي في العوارف يجوز أن يكون من خاض فيها سلك سبيل التأويل لا التفسير إذ لا يسوغ التفسير إلا نقلا وأما التأويل فتمتد العقول إليه بالباع الطويل وهو ذكر ما لا يحتمل إلا به من غير قطع بأنه المراد فمن ثم يكون القول فيه قال وظاهر الآية المنع من القول فيها لختم الآية بقوله وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أخبرني اجعلوا حكم الروح من الكثير الذي لم تؤتوه فلا تسألوا عنه فإنه من الاسرار وقيل المراد بقوله أمر ربي كون الروح من عالم الامر الذي هو عالم الملكوت لا عالم الخلق الذي هو عالم الغيب والشهادة وقد خالف الجنيد ومن تبعه من الأئمة جماعة من متأخري الصوفية فأكثروا من القول في الروح وصرح بعضهم بمعرفة حقيقتها وعاب من أمسك عنها ونقل ابن منده في كتاب الروح له عن محمد بن نصر المروزي الامام المطلع على اختلاف الاحكام من عهد الصحابة إلى عهد فقهاء الأمصار أنه نقل الاجماع على أن الروح مخلوقة وإنما ينقل القول بقدمها عن بعض غلاة الرافضة والمتصوفة واختلف هل تفنى عند فناء العالم قبل البعث أو تستمر باقية على قولين والله أعلم ووقع بعض التفاسير أن الحكمة في سؤال اليهود عن الروح أن عندهم في التوراة أن روح بني آدم لا يعلمها إلا الله فقالوا نسأله فإن فسرها فهو نبي وهو معنى قولهم لا يجئ بشئ تكرهونه وروى الطبري من طريق مغيرة عن إبراهيم في هذه القصة فنزلت الآية فقالوا هكذا نجده عندنا ورجاله ثقات إلا أنه سقط من الاسناد علقمة (قوله وما أوتيتم من العلم) كذا للكشميهني هنا وكذا لهم في الاعتصام ولغير الكشميهني هنا وما أوتوا وكذا لهم في العلم وزاد قال الأعمش هكذا قراءتنا وبين مسلم اختلاف الرواة عن الأعمش فيها وهي مشهورة عن الأعمش أعني بلفظ وما أوتوا ولا مانع أن يذكرها بقراءة غيره وقراءة الجمهور وما أوتيتم والأكثر على أن المخاطب بذلك اليهود فتتحد القراءتان نعم وهي تتناول جميع علم الخلق بالنسبة إلى علم الله ووقع في حديث ابن عباس الذي أشرت إليه أول الباب أن اليهود لما سمعوها قالوا أوتينا علما كثيرا التوراة ومن أوتى التوراة فقد أوتى خيرا كثيرا فنزلت قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي الآية قال الترمذي حسن صحيح (قوله الا قليلا) هو استثناء من العلم أي إلا قليلا أوما لاعطاء أي الاعطاء قليلا أو من ضمير المخاطب أو الغائب على القراءتين أي إلا قليلا منهم أو منكم وفي الحديث من الفوائد غير ما سبق جواز سؤال العالم في حال قيامه ومشيه إذا كان لا يثقل ذلك عليه وأدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بما يغلب على الظن والتوقف عن الجواب بالاجتهاد لمن يتوقع النص وأن بعض المعلومات قد استأثر الله
(٣٠٦)