قديمة أو حادثة وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى وما حقيقة تعذيبها وتنعيمها وغير ذلك من متعلقاتها قال وليس في السؤال ما يخصص أحد هذه المعاني إلا أن الاظهر أنهم سألوه عن الماهية وهل الروح قديمة أو حادثة والجواب يدل على أنها شئ موجود مغاير للطبائع والاخلاط وتركيبها فهو جوهر بسيط مجرد لا يحدث إلا بمحدث وهو قوله تعالى كن فكأنه قال هي موجودة محدثة بأمر الله وتكوينه ولها تأثير في إفادة الحياة للجسد ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيه قال ويحتمل أن يكون المراد بالامر في قوله من أمر ربي الفعل كقوله وما أمر فرعون برشيد أي فعله فيكون الجواب الروح من فعل ربي وإن كان السؤال هل هي قديمة أو حادثة فيكون الجواب إنها حادثة إلى أن قال وقد سكت السلف عن البحث في هذه الأشياء والتعمق فيها أه وقد تنطع قوم فتباينت أقوالها فقيل هي النفس الداخل والخارج وقيل الحياة وقيل جسم لطيف يحل في جميع البدن وقيل هي الدم وقيل هي عرض حتى قيل إن الأقوال فيها بلغت مائة ونقل ابن منده عن بعض المتكلمين أن لكل نبي خمسة أرواح وأن لكل مؤمن ثلاثة ولكل حي واحدة وقال ابن العربي اختلفوا في الروح والنفس فقيل متغايران وهو الحق وقيل هما شئ واحد قال وقد يعبر بالروح عن النفس وبالعكس كما يعبر عن الروح وعن النفس بالقلب وبالعكس وقد يعبر عن الروح بالحياة حتى يتعدى ذلك إلى غير العقلاء بل إلى الجماد مجازا وقال السهيلي يدل على مغايرة الروح والنفس قوله تعالى فإذا سويته ونفخت فيه من روحي وقوله تعالى تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك فأنه لا يصح جعل أحدهما موضع الآخر ولولا التغاير لساغ ذلك (قوله فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم) في رواية الكشمهيني عليه بالافراد وفي رواية العلم فقام متوكئا على العسيب وأنا خلفه (قوله فعلمت أنه يوحى إليه) في رواية التوحيد فظننت أنه يوحى إليه وفي الاعتصام فقلت إنه يوحى إليه وهي متقاربة وإطلاق العلم على الظن مشهور وكذا إطلاق القول على ما يقع في النفس ووقع عند ابن مردويه من طريق ابن إدريس عن الأعمش فقام وحنى من رأسه فظننت أنه يوحى إليه (قوله فقمت مقامي) في رواية الاعتصام فتأخرت عنه أي أدبا معه لئلا يتشوش بقربي منه (قوله فلما نزل الوحي قال) في رواية الاعتصام حتى صعد الوحي فقال وفي رواية العلم فقمت فلما انجلى (قوله من أمر ربي) قال الإسماعيلي يحتمل أن يكون جوابا وأن الروح من جملة أمر الله وأن يكون المراد أن الله اختص بعلمه ولا سؤال لاحد عنه وقال ابن القيم ليس المراد هنا بالامر الطلب اتفاقا وإنما المراد به المأمور والامر يطلق على المأمور كالخلق على المخلوق ومنه لما جاء أمر ربك وقال ابن بطال معرفة حقيقة الروح مما استأثر الله بعلمه بدليل هذا الخبر قال والحكمة في إبهامه اختبار الخلق ليعرفهم عجزهم عن علم ما لا يدركونه حتى يضطرهم إلى رد العلم إليه وقال القرطبي الحكمة في ذلك إظهار عجز المرء لأنه إذا لم يعلم حقيقة نفسه مع القطع بوجوده كان عجزه عن إدراك حقيقة الحق من باب الأولى وجنح ابن القيم في كتاب الروح إلى ترجيح أن المراد بالروح المسؤول عنها في الآية ما وقع في قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا قال وأما أرواح بني آدم فلم يقع تسميتها في القرآن الا نفسا كذا قال ولا دلالة في ذلك لما رجحه بل الراجح الأول فقد أخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في هذه القصة أنهم قالوا عن الروح وكيف يعذب الروح الذي في الجسد وإنما الروح من الله فنزلت
(٣٠٥)