كذبوا أن الضمائر للرسل والمعنى يئس الرسل من النصر وتوهموا أن أنفسهم كذبتهم حين حدثتهم بقرب النصر أو كذبهم رجاؤهم أو الضمائر كلها للرسل إليهم أي يئس الرسل من إيمان من أرسلوا إليه وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوهم في جميع ما ادعوه من النبوة والوعد بالنصر لمن أطاعهم والوعيد بالعذاب لمن لم يجبهم وإذا كان ذلك محتملا وجب تنزيه بن عباس عن تجويزه ذلك على الرسل ويحمل إنكار عائشة على ظاهر مساقهم من إطلاق المنقول عنه وقد روى الطبري أن سعيد بن جبير سئل عن هذه الآية فقال يئس الرسل من قومهم أن يصدقوهم وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا فقال الضحاك بن مزاحم لما سمعه لو رحلت إلى اليمن في هذه الكلمة لكان قليلا فهذا سعيد بن جبير وهو من أكابر أصحاب ابن عباس العارفين بكلامه حمل الآية على الاحتمال الأخير الذي ذكرته وعن مسلم بن يسار أنه سأل سعيد بن جبير فقال له آية بلغت مني كل مبلغ فقرأ هذه الآية بالتخفيف قال في هذا ألوت أن تظن الرسل ذلك فأجابه بنحو ذلك فقال فرجت عنى فرج الله عنك وقام إليه فاعتنقه وجاء ذلك من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس نفسه فعند النسائي من طريق أخرى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله قد كذبوا قال استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم وإسناده حسن فليكن هو المعتمد في تأويل ما جاء عن ابن عباس في ذلك وهو أعلم بمراد نفسه من غيره ولا يرد على ذلك ما روى الطبري من طريق ابن جريج في قوله قد كذبوا خفيفة أي أخلفوا إلا أنا إذا قررنا أن الضمير للمرسل إليهم لم يضر تفسير كذبوا بأخلفوا أي ظن المرسل إليهم أن الرسل أخلفوا ما وعدوا به والله أعلم وروى الطبري من طريق تميم بن حذلم سمعت ابن مسعود يقول في هذه الآية استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم حين أبطأ الامر أن الرسل كذبوهم ومن طريق عبد الله بن الحرث استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن القوم أنهم قد كذبوا فيما جاءوهم به وقد جاء عن بن مسعود شئ موهم كما جاء عن ابن عباس فروى الطبري من طريق صحيح عن مسروق عن ابن مسعود أنه قرأ حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا مخففة قال أبو عبد الله هو الذي يكره وليس في هذا أيضا ما يقطع به على أن بن مسعود أراد أن الضمير للرسل بل يحتمل أن يكون الضمير عنده لمن آمن من أتباع الرسل فإن صدور ذلك ممن آمن مما يكره سماعه فلم يتعين أنه أراد الرسل قال الطبري لو جاز أن يرتاب الرسل بوعد الله ويشكوا في حقيقة خبره لكان المرسل إليهم أولى بجواز ذلك عليهم وقد أختار الطبري قراءة التخفيف ووجهها بما تقدم ثم قال وإنما اخترت هذا لان الآية وقعت عقب قوله فينظروا كيف كان عافية الذين من قبلهم فكان في ذلك إشارة إلى أن يأس الرسل كان من إيمان قومهم الذين كذبوهم فهلكوا أو أن المضمر في قوله وظنوا إنهم قد كذبوا إنما هو للذين من قبلهم من الأمم الهالكة ويزيد ذلك وضوحا أن في بقية الآية الخبر عن الرسل ومن آمن بهم بقوله تعالى فننجي من نشاء أي الذين هلكوا هم الذين ظنوا أن الرسل قد كذبوا فكذبوهم والرسل ومن اتبعهم هم الذين نجوا انتهى كلام ولا يخلو من نظر (قوله قالت أجل) أي نعم ووقع في رواية عقيل في أحاديث الأنبياء في هذا الموضع فقالت يا عرية وهو بالتصغير وأصله عريوة فاجتمع حرفا علة فأبدلت الواو ياء ثم أدغمت في الأخرى (قوله لعمري لقد استيقنوا بذلك) فيه إشعار يحمل عروة الظن
(٢٧٩)