كعب القرظي يقرأ كذبوا بالتخفيف فقال أخبره عني أني سمعت عائشة تقول كذبوا مثقلة أي كذبتهم أتباعهم وقد تقدم في تفسير البقرة من طريق ابن أبي مليكة قال قال ابن عباس حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا خفيفة قال ذهب بها هنالك وفي رواية الأصيلي بما هنالك لك بميم بدل الهاء وهو تصحيف وقد أخرجه النسائي والإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ ذهب ههنا وأشار إلى السماء وتلا حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله إلا إن نصر الله قريب وزاد الإسماعيلي في روايته ثم قال ابن عباس كانوا بشرا ضعفوا وأيسوا وظنوا أنهم قد كذبوا وهذا ظاهره أن ابن عباس كان يذهب إلى أن قوله متى نصر الله مقول الرسول واليه ذهب طائفة ثم اختلفوا فقيل الجميع مقول الجميع وقيل الجملة الأولى مقول الجميع والأخيرة من كلام الله وقال آخرون الجملة الأولى وهي متى نصر الله مقول الذين آمنوا معه والجملة الأخيرة وهي الا أن نصر الله قريب مقول الرسول وقدم الرسول في الذكر لشرفه وهذا أولى وعلى الأول فليس قول الرسول متى نصر الله شكا بل استبطاء للنصر وطلبا له وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم يوم بدر اللهم أنجز لي ما وعدتني قال الخطابي لا شك أن ابن عباس لا يجيز عل الرسل أنها تكذب بالوحي ولا يشك في صدق المخبر فيحمل كلامه على أنه أراد أنهم لطول البلاء عليهم وأبطأء النصر وشدة استنجاز من وعدوه به توهموا أن الذي جاءهم من الوحي كان حسبانا من أنفسهم وظنوا عليها الغلط في تلقى ما ورد عليهم من ذلك فيكون الذي بني له الفعل أنفسهم لا الآتي بالوحي والمراد بالكذب الغلط لا حقيقة الكذب كما يقول القائل كذبتك نفسك (قلت) ويؤيده قراءة مجاهد وظنوا أنهم قد كذبوا بفتح أوله مع التخفيف أي غلطوا ويكون فاعل وظنوا الرسل ويحتمل أن يكون أتباعهم ويؤيده ما رواه الطبري بأسانيد متنوعة من طريق عمران بن الحرث وسعيد بن جبير وأبي الضحى وعلي بن أبي طلحة والعوفي كلهم عن ابن عباس في هذه الآية قال أيس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم أن الرسل كذبوا وقال الزمخشري إن صح هذا عن ابن عباس فقد أراد بالظن ما يخطر بالبال ويهجس في النفس من الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية وأما الظن وهو ترجيح أحد الطرفين فلا يظن بالمسلم فضلا عن الرسول وقال أبو نصر القشيري ولا يبعد أن المراد خطر بقلب الرسل فصرفوه عن أنفسهم أو المعنى قربوا من الظن كما يقال بلغت المنزل إذا قربت منه وقال الترمذي الحكيم وجهه أن الرسل كانت تخاف بعد أن وعدهم الله النصر أن يتخلف النصر لا من تهمة بوعد الله بل لتهمة النفوس أن تكون قد أحدثت حدثا ينقض ذلك الشرط فكان الامر إذا طال واشتد البلاء عليهم دخلهم الظن من هذه الجهة (قلت) ولا يظن بابن عباس أنه يجوز على الرسول أن نفسه تحدثه بأن الله يخلف وعده بل الذي يظن بابن عباس أنه أراد بقوله كانوا بشر إلى آخر كلامه من آمن من أتباع الرسل لا نفس الرسل وقول الراوي عنه ذهب بها هناك أي إلى السماء معناه أن أتباع الرسل ظنوا أن ما وعدهم به الرسل على لسان الملك تخلف ولا مانع أن يقع ذلك في خواطر بعض الاتباع وعجب لابن الأنباري في جزمه بأنه لا يصح ثم الزمخشري في توقفه عن صحة ذلك عن بن عباس فإنه صح عنه لكن لم يأت عنه التصريح بأن الرسل هم الذين ظنوا ذلك ولا يلزم ذلك من قراءة التخفيف بل الضمير في وظنوا عائد على المرسل إليهم وفي وكذبوا عائد على الرسل أي وظن المرسل إليهم أن الرسل
(٢٧٨)