فلا يلزم من دخول الفلاحين في الاسلام دخول بقية الرعايا حتى يصح أنه نبه بذكرهم على الباقين كذا تعقبه شيخنا شيخ الاسلام والذي يظهر أن مراد النووي أنه نبه بذكر طائفة من الطوائف على بقية الطوائف كأنه يقول إذا امتنعت كان عليك إثم كل من أمتنع بامتناعك وكان يطيع لو أطعت كالفلاحين فلا وجه للتعقب عليه نعم قول أبي عبيد في كتاب الأموال ليس المراد بالفلاحين الزراعين فقط بل المراد به جميع أهل المملكة إن أراد به على التقرير الذي قررت به كلام النووي فلا اعتراض عليه وإلا فهو معترض وحكى أبو عبيد أيضا أن الأريسيين هم الخول والخدم وهذا أخص من الذي قبله إلا أن يريد بالخول ما هو أعم بالنسبة إلى من يحكم الملك عليه وحكى الأزهري أيضا أن الأريسيين قوم من المجوس كانوا يعبدون النار ويحرمون الزنا وصناعتهم الحراثة ويخرجون العشر مما يزرعون لكنهم يأكلون الموقوذة وهذا أثبت فمعنى الحديث فإن عليك مثل إثم الأريسيين كما تقدم (قوله فلما فرغ) أي القارئ ويحتمل أن يريد هرقل ونسب إليه ذلك مجازا لكونه الآمر به ويؤيده قوله بعده عنده فإن الضمير فيه وفيما بعده لهرقل جزما (قوله ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط) وقع في الجهاد فلما أن قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لفظهم فلا أدرى ما قالوا لكن يعرف من قرائن الحال أن اللغط كان لما فهموه من هرقل من ميله إلى التصديق (قوله لقد أمر أمر ابن أبي كبشة) تقدم ضبطه في بدء الوحي وان أمر الأول بفتح الهمزة وكسر الميم والثاني بفتح الهمزة وسكون الميم وحكى ابن التين أنه روى بكسر الميم أيضا وقد قال كراع في المجرد ورع أمر بفتح ثم كسر أي كثير فحينئذ يصير المعنى لقد كثر كثيرا بن أبي كبشة وفيه قلق وفي كلام الزمخشري ما يشعر بان الثاني بفتح الميم فإنه قال أمرة على وزن بركة الزيادة ومنه قول أبي سفيان لقد أمر أمر محمد انتهى هكذا أشار إليه شيخنا شيخ الاسلام سراج الدين في شرحه ورده والذي يظهر لي أن الزمخشري إنما أراد تفسير اللفظة الأولى وهي أمر بفتح ثم كسر وأن مصدرها أمر بفتحتين والامر بفتحتين الكثرة والعظم والزيادة ولم يرد ضبط اللفظة الثانية والله أعلم (قوله قال الزهري فدعا هرقل عظماء الروم فجمعهم الخ) هذه قطعة من الرواية التي وقعت في بدء الوحي عقب القصة التي حكاها ابن الناطور وقد بين هناك أن هرقل دعاهم في دسكرة له بحمص وذلك بعد أن رجع من بيت المقدس وكاتب صاحبه الذي برومية فجاءه جوابه يوافقه على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فالفاء في قوله فدعا فصيحة والتقدير قال الزهري فسار هرقل إلى حمص فكتب إلى صاحبه برومية فجاءه جوابه فدعا الروم * (تنبيه) * وقع في سيرة ابن إسحاق من روايته عن الزهري بإسناد حديث الباب إلى أبي سفيان بعض القصة التي حكاها الزهري عن ابن الناطور والذي يظهر لي أنه دخل عليه حديث في حديث ويؤيده أنه حكى قصة الكتاب عن الزهري قال حدثني أسقف من النصارى قد أدرك ذلك الزمان (قلت) وهذا هو ابن الناطور وقصة الكتاب إنما ذكرها الزهري من طريق أبي سفيان وقد فصل شعيب بن أبي حمزة عن الزهري الحديث تفصيلا واضحا وهو أوثق من ابن إسحاق وأتقن فروايته هي المحفوظة ورواية ابن إسحاق شاذة ومحل هذا التنبيه أن يذكر في الكلام على الحديث في بدء الوحي لكن فات ذكره هناك فاستدركته هنا (قوله فجمعهم في دار له فقال) تقدم في بدء الوحي انه جمعهم في مكان
(١٦٧)