والا فقد خاب وخسر فظهرت مناسبة ايراد قصة بن الناطور في بدء الوحي لمناسبتها حديث الأعمال المصدر الباب به ويؤخذ للمصنف من آخر لفظ في القصة براعة الاختتام وهو واضح مما قررناه فان قيل ما مناسبة حديث أبي سفيان في قصة هرقل ببدء الوحي فالجواب أنها تضمنت كيفية حال الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الابتداء ولان الآية المكتوبة إلى هرقل للدعاء إلى الاسلام ملتئمة مع الآية التي في الترجمة وهى قوله تعالى انا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح الآية وقال تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا الآية فبأن أنه أوحى إليهم كلهم أن أقيموا الدين وهو معنى قوله تعالى سواء بيننا وبينكم الآية * (تكميل) * ذكر السهيلي أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيما له وانهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة ثم كان عند سبطه فحدثني بعض أصحابنا ان عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب فلما رآه استعبر وسأل ان يمكنه من تقبيله فامتنع (قلت) وأنبأني غير واحد عن القاضي نور الدين بن الصائغ الدمشقي قال حدثني سيف الدين فليح المنصوري قال أرسلني الملك المنصور قلاون إلى ملك الغرب بهدية فأرسلني ملك الغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبلها وعرض على الإقامة عنده فامتنعت فقال لي لأتحفنك بتحفة سنية فاخرج لي صندوقا مصفحا بذهب فأخرج منه مقلمة ذهب فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر حروفه وقد التصقت عليه خرقة حرير فقال هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ما زلنا نتوارثه إلى الآن وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا فنحن نحفظه غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا انتهى ويؤيد هذا ما وقع في حديث سعيد بن أبي راشد الذي أشرت إليه آنفا ان النبي صلى الله عليه وسلم عرض على التنوخي رسول هرقل الاسلام فامتنع فقال له يا أخا تنوخ انى كتبت إلى ملككم بصحيفة فأمسكها فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير وكذلك أخرج أبو عبيد في كتاب الأموال من مرسل عمير بن إسحاق قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر فأما كسرى فلما قرأ الكتاب مزقه وأما قيصر فلما قرأ الكتاب طواه ثم رفعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هؤلاء فيمزقون وأما هؤلاء فستكون لهم بقية ويؤيده ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه جواب كسرى قال مزق الله ملكه ولما جاءه جواب هرقل قال ثبت الله ملكه والله أعلم (قوله رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهري) قال الكرماني يحتمل ذلك وجهين أن يروى البخاري عن الثلاثة بالاسناد المذكور كأنه قال أنا أبو اليمان أنا هؤلاء الثلاثة عن الزهري وأن يروى عنهم بطريق آخر كما أن الزهري يحتمل أيضا في رواية الثلاثة أن يروى له عن عبيد الله عن ابن عباس وأن يروى لهم عن غيره هذا ما يحتمل اللفظ وإن كان الظاهر الاتحاد قلت هذا الظاهر كاف لمن شم أدنى رائحة من علم الاسناد والاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في هذا الفن وأما الاحتمال الأول فأشد بعدا لان أبا اليمان لم يلحق صالح بن كيسان ولا سمع من يونس وهذا أمر يتعلق بالنقل المحض فلا يلتفت إلى ما عداه ولو كان من أهل النقل لأطلع على كيفية رواية الثلاثة لهذا الحديث بخصوصه فاستراح من هذا التردد وقد أوضحت ذلك في كتابي تعليق التعليق وأشير هنا إليه إشارة مفهمه فرواه صالح وهو ابن كيسان أخرجها المؤلف في كتاب الجهاد بتمامها من طريق إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن
(٤٢)