هرقل فغير ممتنع وصرح في رواية ابن إسحاق بقولهم له لقد أصبحت مهموما والبطارقة جمع بطريق بكسر أوله وهم خواص دولة الروم (قوله جزاء) بالمهملة وتشديد الزاي آخره همزة منونة أي كاهنا يقال حزا بالتخفيف يحزو حزوا أي تكهن وقوله ينظر في النجوم ان جعلتها خبرا ثانيا صح لأنه كان ينظر في الامرين وان جعلتها تفسيرا للأول فالكهانة تارة تستند إلى القاء الشياطين وتارة تستفاد من أحكام النجوم وكان كل من الامرين في الجاهلية شائعا ذائعا إلى أن أظهر الله الاسلام فانكسرت شوكتهم وأنكر الشرع الاعتماد عليهم وكان ما اطلع عليه هرقل من ذلك بمقتضى حساب المنجمين أنهم زعموا ان المولد النبوي كان بقران العلويين برج العقرب وهما يقترنان في كل عشرين سنة مرة إلى أن تستوفى المثلثة بروجها في ستين سنة فكان ابتداء العشرين الأولى المولد النبوي في القران المذكور وعند تمام العشرين الثانية مجئ جبريل بالوحي وعند تمام الثالثة فتح خبير وعمرة القضية التي جرت فتح مكة وظهور الاسلام وفى تلك الأيام رأى هرقل ما رأى ومن جملة ما ذكروه أيضا ان برج العقرب مائي وهو دليل ملك القوم الذين يختتنون فكان ذلك دليلا على انتقال الملك إلى العرب واما اليهود فليسوا مرادا هنا لان هذا لمن ينقل إليه الملك لا لمن انقضى ملكه فان قيل كيف ساغ للبخاري ايراد هذا الخبر المشعر بتقوية أمر المنجمين والاعتماد على ما تدل عليه أحكامهم فالجواب انه لم يقصد ذلك بل قصد أن يبين أن الإشارات بالنبي صلى الله عليه وسلم جاءت من كل طريق وعلى لسان كل فريق من كاهن أو منجم محق أو مبطل انسى أو جنى وهذا من أبدع ما يشير إليه عالم أو يجنح إليه محتج وقد قيل إن الحزاء هو الذي ينظر في الأعضاء وفى خيلان الوجه فيحكم على صاحبها بطريق الفراسة وهذا ان ثبت فلا يلزم منه حصره في ذلك بل اللائق بالسياق في حق هرقل ما تقدم (قوله ملك الختان) بضم الميم واسكان اللام وللكشميهني بفتح الميم وكسر اللام (قوله قد ظهر) أي غلب يعنى دله نظره في حكم النجوم على أن ملك الختان قد غلب وهو كما قال لان في تلك الأيام كان ابتداء ظهور النبي صلى الله عليه وسلم إذ صالح كفار مكة بالحديبية وأنزل الله تعالى عليه انا فتحنا لك فتحا مبينا إذ فتح مكة كان سببه نقض قريش العهد الذي كان بينهم بالحديبية ومقدمة الظهور ظهور (قوله من هذه الأمة) أي من أهل هذا العصر واطلاق الأمة على أهل العصر كلهم فيه تجوز وهذا بخلاف قوله بعد هذا ملك هذه الأمة قد ظهر فان مراده به العرب خاصة والحصر في قولهم الا اليهود هو بمقتضى علمهم لان اليهود كانوا بإيلياء وهى بيت المقدس كثيرين تحت الذلة مع الروم بخلاف العرب فإنهم وإن كان منهم من هو تحت طاعة ملك الروم كآل غسان لكنهم كانوا ملوكا برأسهم (قوله فلا يهمنك) بضم أوله من أهم أثار الهم وقوله شأنهم أي أمرهم ومدائن جمع مدينة قال أبو علي الفارسي من جعله فعيلة من قولك مدن بالمكان أي أقام به همزه كقبائل ومن جعله مفعلة من قولك دين أي ملك لم يهمز كمعايش انتهى وما ذكره في معايش هو المشهور وقد روى خارجة عن نافع القارئ الهمز في معايش وقال القزاز من همزها توهمها من فعيلة لشبهها بها في اللفظ انتهى (قوله فبينما هم على أمرهم) أي في هذه المشورة (قوله أتى هرقل برجل) لم يذكر من أحضره وملك غسان هو صاحب بصرى الذي قدمنا ذكره وأشرنا إلى أن ابن السكن روى أنه أرسل من عنده عدى بن حاتم فيحتمل ان يكون هو المذكور والله
(٣٩)