رسول الله والباء موضع إلى وقوله أسلم تسلم غاية في البلاغ وفيه نوع من البديع وهو الجناس الاشتقاقي (قوله يؤتك) جواب ثان للامر وفى الجهاد للمؤلف أسلم أسلم يؤتك بتكرار أسلم فيحتمل التأكيد ويحتمل أن يكون الأمر الأول للدخول في الاسلام والثاني للدوام عليه كما في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله الآية وهو موافق لقوله تعالى أولئك يؤتون أجرهم مرتين الآية واعطاؤه الاجر مرتين لكونه كان مؤمنا بنبيه ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل ان يكون تضعيف الاجر له من جهة اسلامه ومن جهة ان اسلامه يكون سببا لدخول أتباعه وسيأتى التصريح بذلك في موضعه من حديث الشعبي من كتاب العلم إن شاء الله تعالى واستنبط منه شيخنا شيخ الاسلام أن كل من دان بدين أهل الكتاب كان في حكمهم في المناكحة والذبائح لان هرقل هو وقومه ليسوا من بني إسرائيل وهم ممن دخل في النصرانية بعد التبديل وقد قال له ولقومه يا أهل الكتاب فدل على أن لهم حكم أهل الكتاب خلافا لمن خص ذلك بالاسرائيليين أو بمن علم أن سلفه ممن دخل في اليهودية أو النصرانية قبل التبديل والله أعلم (قوله فان توليت) أي أعرضت عن الإجابة إلى الدخول في الاسلام وحقيقة التولي انما هو بالوجه ثم استعمل مجازا في الاعراض عن الشئ وهى استعارة تبعية (قوله الأريسيين) هو جمع أريسى وهو منسوب إلى أريس بوزن فعيل وقد تقلب همزته ياء كما جاءت به رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما هنا قال ابن سيده الأريس الاكار أي الفلاح عند ثعلب وعند كراع الأريس هو الأمير وقال الجوهري هي لغة شامية وأنكر ابن فارس أن تكون عربية وقيل في تفسيره غير ذلك لكن هذا هو الصحيح هنا فقد جاء مصرحا به في رواية ابن إسحاق عن الزهري بلفظ فان عليك اثم الكارين زاد البرقاني في روايته يعنى الحراثين ويؤيده أيضا ما في رواية المدائني من طريق مرسلة فان عليك اثم الفلاحين وكذا عند أبي عبيد في كتاب الأموال من مرسل عبد الله بن شداد وان لم تدخل في الاسلام فلا تحل بين الفلاحين وبين الاسلام قال أبو عبيد المراد بالفلاحين أهل مملكته لان كل من كان يزرع فهو عند العرب فلاح سواء كان يلي ذلك بنفسه أو بغيره وقال الخطابي أراد ان عليك اثم الضعفاء والاتباع إذا لم يسلموا تقليدا له لان الأصاغر أتباع الأكابر قلت وفى الكلام حذف دل المعنى عليه وهو فان عليك مع اثمك اثم الأريسيين لأنه إذا كان عليه اثم الاتباع بسبب انهم تبعوه على استمرار الكفر فلأن يكون عليه اثم نفسه أولي وهذا يعد من مفهوم الموافقة ولا يعارض بقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى لان وزر الآثم لا يتحمله غيره ولكن الفاعل المتسبب والمتلبس بالسيئات يتحمل من جهتين جهة فعله وجهة تسببه وقد ورد تفسير الأريسيين بمعنى آخر فقال الليث بن سعد عن يونس فيما رواه الطبراني في الكبير من طريقه الأريسيون العشارون يعنى أهل المكس والأول أظهر وهذا ان صح أنه المراد فالمعنى المبالغة في الاثم ففي الصحيح في المرأة التي اعترفت بالزنا لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبلت (قوله ويا أهل الكتاب الخ) هكذا وقع باثبات الواو في أوله وذكر القاضي عياض ان الواو ساقطة من رواية الأصيلي وأبي ذر وعلى ثبوتها فهي داخلة على مقدر معطوف على قوله أدعوك فالتقدير أدعوك بدعاية الاسلام وأقول لك ولاتباعك امتثالا لقول الله تعالى يا أهل الكتاب ويحتمل أن تكون من كلام أبي سفيان لأنه لم يحفظ جميع ألفاظ الكتاب فاستحضر منها أول
(٣٦)