أبو سفيان هو ساحر كذاب فقال هرقل انى لا أريد شتمه ولكن كيف نسبه إلى أن قال فهل يغدر إذا عاهد قال لا الا أن يغدر في هدنته هذه فقال وما يخاف من هذه فقال إن قومي أمدوا حلفاءهم على حلفائه قال إن كنتم بدأتم فأنتم أغدر (قوله سجال) بكسر أوله أي نوب والسجل الدلو والحرب اسم جنس ولهذا جعل خبره اسم جمع وينال أي يصيب فكأنه شبه المحاربين بالمستقيين يستقى هذا دلوا وهذا دلوا وأشار أبو سفيان بذلك إلى ما وقع بينهم في غزوة بدر وغزوة أحد وقد صرح بذلك أبو سفيان يوم أحد في قوله يوم بيوم بدل والحرب سجال ولم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بل نطق النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في حديث أوس بن حذيفة الثقفي لما كان يحدث وفد ثقيف أخرجه ابن ماجة وغيره ووقع في مرسل عروة قال أبو سفيان غلبنا مرة يوم بدر وأنا غائب ثم غزوتهم في بيوتهم ببقر البطون وجدع الآذان وأشار بذلك إلى يوم أحد (قوله بما ذا يأمركم) يدل على أن الرسول من شأنه أن يأمر قومه (قوله يقول اعبدوا الله وحده) فيه ان للأمر صيغة معروفة لأنه أتى بقوله اعبدوا الله في جواب ما يأمركم وهو من أحسن الأدلة في هذه المسئلة لان أبا سفيان من أهل اللسان وكذلك الراوي عنه ابن عباس بل هو من أفصحهم وقد رواه عنه مقرا له (قوله ولا تشركوا به شيئا) وسقط من رواية المستملى الواو فيكون تأكيدا لقوله وحده (قوله واتركوا ما يقول آباؤكم) هي كلمة جامعة لترك ما كانوا عليه في الجاهلية وانما ذكر الآباء تنبيها على عذرهم في مخالفتهم له لان الآباء قدوة عند الفريقين أي عبدة الأوثان والنصارى (قوله ويأمرنا بالصلاة والصدق) وللمصنف في رواية الصدقة بدل الصدق ورجحها شيخنا شيخ الاسلام ويقويها رواية المؤلف في التفسير الزكاة واقتران الصلاة بالزكاة معتاد في الشرع يرجحها أيضا ما تقدم من أنهم كانوا يستقبحون الكذب فذكر ما لم يألفوه أولى (قلت) وفى الجملة ليس الامر بذلك ممتنعا كما في أمرهم بوفاء العهد وأداء الأمانة وقد كانا من مألوف عقلائهم وقد ثبتا عند المؤلف في الجهاد من رواية أبي ذر عن شيخه الكشميهني والسرخسي قال بالصلاة والصدق والصدقة وفى قوله يأمرنا بعد قوله يقول اعبدوا الله إشارة إلى أن المغايرة بين الامرين لما يترتب على مخالفهما إذ مخالف الأول كافر والثاني ممن قبل الأول عاص (قوله فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها) الظاهر أن اخبار هرقل بذلك بالجزم كان عن العلم المقرر عنده في الكتب السالفة (قوله لقلت رجل تأسى بقول) كذا للكشميهني ولغيره يتأسى بتقديم الياء المثناة من تحت وانما لم يقل هرقل فقلت الا في هذا وفى قوله هل كان من آبائه من ملك لان هذين المقامين مقام فكر ونظر بخلاف غيرهما من الأسئلة فإنها مقام نقل (قوله فذكرت ان ضعفاءهم اتبعوه) هو بمعنى قول أبي سفيان ضعفاؤهم ومثل ذلك يتسامح به لاتحاد المعنى وقول هرقل وهم اتباع الرسل معناه ان اتباع الرسل في الغالب أهل الاستكانة لا أهل الاستكبار الذين أصروا على الشقاق بغيا وحدا كأبى جهل وأشياعه إلى أن أهلكهم الله تعالى وأنقذ بعد حين من أراد سعادته منهم (قوله وكذلك الايمان) أي أمر الايمان لأنه يظهر نورا ثم لا يزال في زيادة حتى يتم بالأمور المعتبرة فيه من صلاة وزكاة وصيام وغيرها ولهذا نزلت في آخر سنى النبي صلى الله عليه وسلم اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ومنه ويأبى الله الا ان يتم نوره وكذا جرى لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم لم يزالوا في زيادة حتى كمل بهم ما أراد الله من اظهار
(٣٣)