دينه وتمام نعمته فله الحمد والمنة (قوله حين يخالط بشاشة القلوب) كذا روى بالنصب على المفعولية والقلوب مضاف أي يخالط الايمان انشراح الصدور وروى بشاشته القلوب بالضم والقلوب مفعول أي يخالط بشاشة الايمان وهو شرحه القلوب التي يدخل فيها زاد المصنف في الايمان لا يسخطه أحد كما تقدم وزاد ابن السكن في روايته في معجم الصحابة يزداد به عجبا وفرحا وفى رواية ابن إسحاق وكذلك حلاوة الايمان لا تدخل قلبا فتخرج منه (قوله وكذلك الرسل لا تغدر) لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر بخلاف من طلب الآخرة ولم يعرج هرقل على الدسيسة التي دسها أبو سفيان كما تقدم وسقط من هذه الرواية ايراد تقرير السؤال العاشر والذي بعده وجوابه وقد ثبت الجميع في رواية المؤلف التي في الجهاد وسيأتى الكلام عليه ثم إن شاء الله * (تعالى فائدة) * قال المازني هذه الأشياء التي سأل عنها هرقل ليست قاطعة على النبوة الا انه يحتمل أنها كانت عنده علامات على هذا النبي بعينه لأنه قال بعد ذلك قد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم وما أورده احتمالا جزم به ابن بطال وهو ظاهر (قوله فذكرت انه يأمركم) ذكر ذلك بالاقتضاء لأنه ليس في كلام أبي سفيان ذكر الامر بل صيغته وقوله وينهاكم عن عبادة الأوثان مستفاد من قوله ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم لان مقولهم الامر بعبادة الأوثان (قوله أخلص) بضم اللام أي أصل يقال خلص إلى كذا أي وصل (قوله لتجشمت) بالجيم والشين المعجمة أي تكلفت الوصول إليه وهذا يدل على أنه كان يتحقق أنه لا يسلم من القتل ان هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستفاد ذلك بالتجربة كما في قصة ضغاطر الذي أظهر لهم اسلامه فقتلوه وللطبراني من طريق ضعيف عن عبد الله بن شداد عن دحية في هذه القصة مختصرا فقال قيصر أعرف انه كذلك ولكن لا أستطيع ان أفعل ان فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم وفى مرسل ابن إسحاق عن بعض أهل العلم ان هرقل قال ويحك والله انى لأعلم انه نبي مرسل ولكني أخاف الروم على نفسي ولولا ذلك لاتبعته لكن لو تفطن هرقل لقوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي أرسل إليه أسلم تسلم وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة لسلم لو أسلم من كل ما يخافه ولكن التوفيق بيد الله تعالى وقوله لغسلت عن قدميه مبالغة في العبودية له والخدمة زاد عبد الله بن شداد عن أبي سفيان لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبل رأسه وأغسل قديمه وهى تدل على أنه كان بقى عنده بعض شك وزاد فيها ولقد رأيت جبهته تتحادر عرقا من كرب الصحيفة يعنى لما قرئ عليه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وفى اقتصاره على ذكر غسل القدمين إشارة منه إلى أنه لا يطلب منه إذا وصل إليه سالما لا ولاية ولا منصبا وانما يطلب ما يحصل له به البركة وقوله وليبلغن ملكه ما تحت قدمي أي بيت المقدس وكنى بذلك لأنه موضع استقراره أو أراد الشام كله لان دار مملكته كانت حمص ومما يقوى ان هرقل آثر ملكه على الايمان واستمر على الضلال أنه حارب المسلمين في غزوة مؤتة سنة ثمان بعد هذه القصة بدون السنتين ففي مغازى ابن إسحاق وبلغ المسلمين لما نزلوا معان من أرض الشام ان هرقل نزل في مائة ألف من المشركين فحكى كيفية الوقعة وكذا روى ابن حبان في صحيحه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أيضا من تبوك يدعوه وانه قارب الإجابة ولم يجب فدل ظاهر ذلك على استمراره على الكفر لكن يحتمل مع ذلك أنه كان يضمر الايمان ويفعل هذه المعاصي مراعاة لملكه وخوفا من أن يقتله
(٣٤)