بالتكذيب ان كذب وقد صرح بذلك الواقدي وقوله إن كذبني بتخفيف الذال أي ان نقل إلى الكذب (قوله قال) أي أبو سفيان وسقط لفظ قال من رواية كريمة وأبى الوقت فاشكل ظاهره وباثباتها يزول الاشكال (قوله فوالله لولا الحياء من أن يأثروا) أي ينقلوا الكذب لكذبت عليه وللأصيلي عنه أي عن الاخبار بحاله وفيه دليل على أنهم كانوا يستقبحون الكذب اما بالأخذ عن الشرع السابق أو بالعرف وفى قوله يأثروا دون قوله يكذبوا دليل على أنه كان واثقا منهم بعدم التكذيب ان لو كذب لاشتراكهم معه في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم لكنه ترك ذلك استحياء وأنفة من أن يتحدثوا بذلك بعد ان يرجعوا فيصير عند سامعي ذلك كذبا وفى رواية ابن إسحاق التصريح بذلك ولفظه فوالله لو قد كذبت ما ردوا على ولكني كنت امرأ سيدا أتكرم عن الكذب وعلمت ان أيسر ما في ذلك ان أنا كذبته ان يحفظوا ذلك عنى ثم يتحدثوا به فلم أكذبه وزاد ابن إسحاق في روايته قال أبو سفيان فوالله ما رأيت من رجل قط كان أدهى من ذلك الأقلف يعنى هرقل (قوله كان أول) هو بالنصب على الخبر وبه جاءت الرواية ويجوز رفعه على الاسمية (قوله كيف نسبه فيكم) أي ما حال نسبه فيكم أهو من أشرافكم أم لا فقال هو فينا ذو نسب فالتنوين فيه للتعظيم وأشكل هذا على بعض الشارحين وهذا وجهه (قوله فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله) وللكشميهني والأصيلي بدل قبله مثله فقوله منكم أي من قومكم يعنى قريشا أو العرب ويستفاد منه ان الشفاهي يعم لأنه لم يرد المخاطبين فقط وكذا قوله فهل قاتلتموه وقوله بماذا يأمركم واستعمل قط بغير أداة النفي وهو نادر ومنه قول عمر صلينا أكثر ما كنا قط وآمنه ركعتين ويحتمل أن يقال إن النفي مضمن فيه كأنه قال هل قال هذا القول أحد أو لم يقله أحد قط (قوله فهل كان من آبائه ملك) ولكريمة والأصيلي وأبى الوقت بزيادة من الجارة ولابن عساكر بفتح من وملك فعل ماض والجارة أرجح لسقوطها من رواية أبي ذر والمعنى في الثلاثة واحد (قوله فاشراف الناس اتبعوه) فيه اسقاط همزة الاستفهام وهو قليل وقد ثبت للمصنف في التفسير ولفظة أيتبعه أشراف الناس والمراد بالاشراف هنا أهل النخوة والتكبر منهم لا كل شريف حتى لا يرد مثل أبى بكر وعمر وأمثالهما ممن أسلم قبل هذا السؤال ووقع في رواية ابن إسحاق تبعه منا الضعفاء والمساكين فأما ذوو الأنساب والشرف فما تبعه منهم أحد وهو محمول على الأكثر الأغلب (قوله سخطة) بضم أوله وفتحه وأخرج بهذا من ارتد مكرها أولا لسخط لدين الاسلام بل لرغبة في غيره كحظ نفساني كما وقع لعبيد الله بن جحش (قوله هل كنتم تتهمونه بالكذب) أي على الناس وانما عدل إلى السؤال عن التهمة عن السؤال عن نفس الكذب تقريرا لهم على صدقه لان التهمة إذا انتفت انتفى سببها ولهذا عقبه بالسؤال عن الغدر (قوله ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا) أي انتقصه به على أن التنقيص هنا أمر نسبى وذلك أن من يقطع بعدم غدره أرفع رتبة ممن يجوز وقوع ذلك منه في الجملة وقد كان معروفا عندهم بالاستقراء من عادته أنه لا يغدر ولما كان الامر مغيبا لأنه مستقبل أمن أبو سفيان ان ينسب في ذلك إلى الكذب ولهذا أورده بالتردد ومن ثم لم يعرج هرقل على هذا القدر منه وقد صرح ابن إسحاق في روايته عن الزهري بذلك بقوله قال فوالله ما التفت إليها منى ووقع في رواية أبى الأسود عن عروة مرسلا خرج أبو سفيان إلى الشام فذكر الحديث إلى أن قال فقال
(٣٢)