دائر على الاستثناء فمن قال إنه متصل تمسك بالأصل ومن قال إنه منقطع احتاج إلى دليل والدليل عليه ما روى النسائي وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانا ينوى صوم التطوع ثم يفطر وفى البخاري انه أمر جويرية بنت الحرث ان تفطر يوم الجمعة بعد ان شرعت فيه فدل على أن الشروع في العبادة لا يستلزم الاتمام إذا كانت نافلة بهذا النص في الصوم وبالقياس في الباقي فان قيل يرد الحج قلنا لا لأنه امتاز عن غيره بلزوم المضي في فاسده فكيف في صحيحه وكذلك امتاز بلزوم الكفارة في نفله كفرضه والله أعلم على أن في استدلال الحنفية نظرا لانهم لا يقولون بفرضية الاتمام بل بوجوبه واستثناء الواجب من الفرض منقطع لتباينهما وأيضا فان الاستثناء من النفي عندهم ليس للاثبات بل مسكوت عنه وقوله الا ان تطوع استثناء من قوله لا أي لا فرض عليك غيرها (قوله وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة) في رواية إسماعيل بن جعفر قال اخبرنى بما فرض الله على من الزكاة قال فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الاسلام فتضمنت هذه الرواية ان في القصة أشياء أجملت منها بيان نصب الزكاة فإنها لم تفسر في الروايتين وكذا أسماء الصلوات وكأن السبب فيه شهرة ذلك عندهم أو القصد من القصة بيان ان المتمسك بالفرائض ناج وان لم يفعل النوافل (قوله والله) في رواية إسماعيل بن جعفر فقال والذي أكرمك وفيه جواز الحلف في الامر المهم وقد تقدم (قوله أفلح ان صدق) وقع عند مسلم من رواية إسماعيل بن جعفر المذكورة أفلح وأبيه ان صدق أو دخل الجنة وأبيه ان صدق ولابى داود مثله لكن بحذف أو فان قيل ما الجامع بين هذا وبين النهى عن الحلف بالإباء أجيب بان ذلك كان قبل النهى أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما جرى على لسانهم عقري حلقى وما أشبه ذلك أو فيه اضمار اسم الرب كأنه قال ورب أبيه وقيل هو خاص ويحتاج إلى دليل وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه قال هو تصحيف وانما كان والله فقصرت اللامان واستنكر القرطبي هذا وقال إنه يجزم الثقة بالروايات الصحيحة وغفل القرافي فادعى ان الرواية بلفظ وأبيه لم تصح لأنها ليست في الموطأ وكانه لم يرتض الجواب فعدل إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية فيه وأقوى الأجوبة الأولان وقال ابن بطال دل قوله أفلح ان صدق على أنه ان لم يصدق فيما التزم لا يفلح وهذا بخلاف قول المرجئة فان قيل كيف أثبت له الفلاح بمجرد ما ذكر مع أنه لم يذكر المنهيات أجاب ابن بطال باحتمال أن يكون ذلك وقع قبل ورود فرائض النهى وهو عجيب منه لأنه جزم بأن السائل ضمام وأقدم ما قيل فيه انه وفد سنة خمس وقيل بعد ذلك وقد كان أكثر المنهيات واقعا قبل ذلك والصواب أن ذلك داخل في عموم قوله فأخبره بشرائع الاسلام كما أشرنا إليه فان قيل أما فلاحه بأنه لا ينقص فواضح وأما بان لا يزيد فكيف يصح أجاب النووي بأنه أثبت له الفلاح لأنه أتى بما عليه وليس فيه انه إذا أتى بزائد على ذلك لا يكون مفلحا لأنه إذا أفلح بالواجب ففلاحه بالمندوب مع الواجب أولى فان قيل فكيف أقره على حلفه وقد ورد النكير على من حلف ان لا يفعل خيرا أجيب بان ذلك مختلف باختلاف الأحوال والاشخاص وهذا جار على الأصل بأنه لا اثم على غير تارك الفرائض فهو مفلح وإن كان غيره أكثر فلاحا منه وقال الطيبى يحتمل ان يكون هذا الكلام صدر منه على طريق المبالغة في التصديق والقبول أي قبلت كلامك قبولا لا مزيد عليه من جهة السؤال ولا نقصان
(٩٩)