أشرنا إلى ذلك في باب المعاصي من أمر الجاهلية أو أطلق عليه الكفر لشبهه به لان قتال المؤمن من شان الكافر وقيل المراد هنا الكفر اللغوي وهو التغطية لان حق المسلم على المسلم ان يعينه وينصره ويكف عنه أذاه فلما قاتله كان كأنه غطى على هذا الحق والأولان أليق بمراد المصنف وأولى بالمقصود من التحذير من فعل ذلك والزجرعه بخلاف الثالث وقيل أراد بقوله كفر أي قد يؤل هذا الفعل بشؤمه إلى الكفر وهذا بعيد وأبعد منه حمله على المستحل لذلك لأنه لا يطابق الترجمة ولو كان مرادا لم يحصل التفريق بين السباب والقتال فان مستحل لعن المسلم بغير تأويل يكفر أيضا ثم ذلك محمول على من فعله بغير تأويل وقد بوب عليه المصنف في كتاب المحاربين كما سيأتي إن شاء الله تعالى ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ففيه هذه الأجوبة وسيأتى في كتاب الفتن ونظيره قوله تعالى أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض بعد قوله ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم الآية فدل على أن بعض الأعمال يطلق عليه الكفر تغليظا وأما قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم لعن المسلم كقتله فلا يخالف هذا الحديث لان المشبه به فوق المشبه والقدر الذي اشتركا فيه بلوغ الغاية في التأثير هذا في العرض وهذا في النفس والله أعلم وقد ورد لهذا المتن سبب ذكرته في أول كتاب الفتن في أواخر الصحيح (قوله عن حميد) هو الطويل عن أنس وللاصيلى ثناء أنس بن مالك فأمنا تدليس حميد وهو من رواية صحابي عن صحابي أنس عن عبادة بن الصامت (قوله خرج يخبر بليلة القدر) أي بتعيين ليلة القدر (قوله فتلاحى) بفتح الحاء المهملة مشتق من التلاحي بكسرها وهو التنازع والمخاصمة والرجلان أفاد ابن دحية انهما عبد الله بن أبي حدرد بحاء مفتوحة ودال ساكنة مهملتين ثم راء مفتوحة ودال مهملة أيضا وكعب بن مالك وقوله فرفعت أي فرفع تعيينها عن ذكرى هذا هو المعتمد هنا والسبب فيه ما أوضحه مسلم من حديث أبي سعيد في هذه القصة قال فجاء رجلان يحتقان بتشديد القاف أي يدعى كل منهما انه المحق معهما الشيطان فنسيتها قال القاضي عياض فيه دليل على أن المخاصمة مذمومة وانها سبب في العقوبة المعنوية أي الحرمان وفيه ان المكان الذي يحضره الشيطان ترفع منه البركة والخير فان قيل كيف تكون المخاصمة في طلب الحق مذمومة قلت انما كانت كذلك لوقوعها في المسجد وهو محل الذكر لا اللغو ثم في الوقت المخصوص أيضا بالذكر لا اللغو وهو شهر رمضان فالذم لما عرض فيها لا لذاتها ثم إنها مستلزمة لرفع الصوت ورفعه بحضرة الرسول الله صلى الله عليه وسلم منهى عنه لقوله تعالى لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي إلى قوله تعالى أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ومن هنا يتضح مناسبة هذا الحديث للترجمة ومطابقتها له وقد خفيت على كثير من المتكلمين على هذا الكتاب فان قيل قوله وأنتم لا تشعرون يقتضى المؤاخذة بالعمل الذي لا قصد فيه فالجواب ان المراد وأنتم لا تشعرون بالاحباط لاعتقادكم صغر الذنب فقد يعلم المرء الذنب ولكن لا يعلم أنه كبيرة كما قيل في قوله إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أي عندهما ثم قال وانه لكبير أي في نفس الامر وأجاب القاضي أبو بكر بن العربي بأن المؤاخذة تحصل بما لم يقصد في الثاني إذا قصد في الأول لان مراعاة القصد انما هو في الأول ثم يسترسل حكم النية الأولى على مؤتنف العمل وان عزب القصد خيرا كان أو شرا والله أعلم (قوله وعسى ان يكون خيرا) أي وإن كان عدم الرفع أزيد خيرا
(١٠٤)