ابن أسد بن عبد العزى من رهط خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها وفى روايته أيضا وزعموا انها لا تنام الليل وهذا يؤيد الرواية الثانية في أنها نقلت عن غيرها فان قيل وقع في حديث الباب حديث هشام دخل عليها وهى عندها وفى رواية الزهري ان الحولاء مرت بها فظاهره التغاير فيحتمل أن تكون المارة امرأة غيرها من بنى أسد أيضا أو ان قصتها تعددت والجواب ان القصة واحدة ويبين ذلك رواية محمد بن إسحاق عن هشام في هذا الحديث ولفظه مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم الحولاء بنت تويت أخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل له فيحمل على أنها كانت أو لا عند عائشة فلما دخل صلى الله عليه وسلم على عائشة قامت المرأة كما في رواية حماد بن سلمة الآتية فلما قامت لتخرج مرت به في خلال ذهابها فسأل عنها وبهذا تجتمع الروايات * (تنبيه) * قال ابن التين لعلها أمنت عليها الفتنة فلذلك مدحتها في وجهها (قلت) لكن رواية حماد بن سلمة عن هشام في هذا الحديث تدل على انها ما ذكرت ذلك الا بعد ان خرجت المرأة أخرجه الحسن ابن سفيان في مسنده من طريقه ولفظه كانت عندي امرأة فلما قامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه يا عائشة قلت يا رسول الله هذه فلانة وهى أعبد أهل المدينة فذكر الحديث (قوله مه) قال الجوهري هي كلمة مبنية على السكون وهى اسم سمى به الفعل والمعنى اكفف يقال مهمهته إذا زجرته فان وصلت نونت فقلت مه وقال الداودي أصل هذه الكلمة ما هذا كالانكار فطرحوا بعض اللفظة فقالوا مه فصيروا الكلمتين كلمة وهذا الزجر يحتمل أن يكون لعائشة والمراد نهيها عن مدح المرأة بما ذكرت ويحتمل أن يكون المراد النهى عن ذلك الفعل وقد أخذ بذلك جماعة من الأئمة فقالوا يكره صلاة جميع الليل كما سيأتي في مكانه (قوله عليكم بما تطيقون) أي اشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومة عليه فمنطوقه يقتضى الامر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه يقتضى النهى عن تكلف ما لا يطاق وقال القاضي عياض يحتمل ان يكون هذا خاصا بصلاة الليل ويحتمل ان يكون عاما في الأعمال الشرعية (قلت) سبب وروده خاص بالصلاة ولكن اللفظ عام وهو المعتبر وقد عبر بقوله عليكم مع أن المخاطب النساء طلبا لتعميم الحكم فغلب الذكور على الإناث (قوله فوالله) فيه جواز الحلف من غير استحلاف وقد يستحب إذا كان في تفخيم أمر من أمور الدين أو حث عليه أو تنفير من محذور (قوله لا يمل الله حتى تملوا) هو بفتح الميم في الموضعين والملال استثقال الشئ ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق قال الإسماعيلي وجماعة من المحققين انما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازا كما قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وانظاره قال القرطبي وجه مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشئ باسم سببه وقال الهروي معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه وقال غيره معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم وجنح بعضهم إلى تأويلها فقيل معناه لا يمل الله إذا مللتم وهو مستعمل في كلام العرب يقولون لا افعل كذا حتى يبيض القار أو حتى يشيب الغراب ومنه قولهم في البليغ لا ينقطع حتى تنقطع خصومه لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية وهذا المثال أشبه من الذي قبله لان شيب الغراب
(٩٤)