أبو نعيم في مستخرجه من طريق سليمان بن حرب عن شعبة بعد قوله إن الشرك لظلم عظيم فطابت أنفسنا واقتضت رواية شعبة هذه ان هذا السؤال سبب نزول الآية الأخرى التي في لقمان لكن رواه البخاري ومسلم من طريق أخرى عن الأعمش وهو سليمان المذكور في حديث الباب ففي رواية جرير عنه فقالوا أينا لم يلبس ايمانه بظلم فقال ليس بذلك ألا تسمعون إلى قول لقمان وفى رواية وكيع عنه فقال ليس كما تظنون وفى رواية عيسى بن يونس انما هو الشرك ألم تسمعوا إلى ما قال لقمان وظاهر هذا ان الآية التي في لقمان كانت معلومة عندهم ولذلك نبههم عليها ويحتمل أن يكون نزولها وقع في الحال فتلاها عليهم ثم نبههم فتلتئم الروايتان قال الخطابي كان الشرك عند الصحابة أكبر من أن يلقب بالظلم فحملوا الظلم في الآية على ما عداه يعنى من المعاصي فسألوا عن ذلك فنزلت هذه الآية كذا قال وفيه نظر والذي يظهر لي انهم حملوا الظلم على عمومه الشرك فما دونه وهو الذي يقتضيه صنيع المؤلف وانما حملوه على العموم لان قوله بظلم نكره في سياق النفي لكن عمومها هنا بحسب الظاهر قال المحققون ان دخل على النكرة في سياق النفي ما يؤكد العموم ويقويه نحو من في قوله ما جاءني من رجل أفاد تنصيص العموم والا فالعموم مستفاد بحسب الظاهر كما فهمه الصحابة من هذه الآية وبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم ان ظاهرها غير مراد بل هو من العام الذي أريد به الخاص فالمراد بالظلم أعلى أنواعه وهو الشرك فان قيل من أين يلزم ان من لبس الايمان بظلم لا يكون آمنا ولا مهتديا حتى شق عليهم والسياق انما يقتضى ان من لم يوجد منه الظلم فهو آمن ومهتد فما الذي دل على نفى ذلك عمن وجد منه الظلم فالجواب ان ذلك مستفاد من المفهوم وهو مفهوم الصفة أو مستفاد من الاختصاص المستفاد من تقديم لهم على الامن أي لهم الامن لا لغيرهم كذا قال الزمخشري في قوله تعالى إياك نعبد وقال في قوله تعالى كلا انها كلمة هو قائلها تقديم هو على قائلها يفيد الاختصاص أي هو قائلها لا غيره فان قيل لا يلزم من قوله إن الشرك لظلم عظيم ان غير الشرك لا يكون ظلما فالجواب ان التنوين في قوله لظلم للتعظيم وقد بين ذلك استدلال الشارع بالآية الثانية فالتقدير لم يلبسوا ايمانهم بظلم عظيم أي بشرك إذ لا ظلم أعظم منه وقد ورد ذلك صريحا عند المؤلف في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام من طريق حفص بن غياث عن الأعمش ولفظه قلنا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه قال ليس كما تقولون لم يلبسوا ايمانهم بظلم بشرك أو لم تسمعوا إلى قول لقمان فذكر الآية واستنبط منه المازري جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة ونازعه القاضي عياض فقال ليس في هذه القصة تكليف عمل بل تكليف اعتقاد بتصديق الخبر واعتقاد التصديق لازم لأول وروده فما هي الحاجة ويمكن أن يقال المعتقدات أيضا تحتاج إلى البيان فلما أجمل الظلم حتى تناول اطلاقه جميع المعاصي شق عليهم حتى ورد البيان فما انتفت الحاجة والحق ان في القصة تأخير البيان عن وقت الخطاب لانهم حيث احتاجوا إليه لم يتأخر (قوله ولم يلبسوا) أي لم يخلطوا تقول لبست الامر بالتخفيف ألبسه بالفتح في الماضي والكسر في المستقبل أي خلطته وتقول لبست الثوب ألبسه بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل وقال محمد بن إسماعيل التميمي في شرحه خلط الايمان بالشرك لا يتصور فالمراد انهم لم تحصل لهم الصفتان كفر متأخر عن ايمان متقدم أي لم يرتدوا ويحتمل أن يراد انهم لم يجمعوا بينهما ظاهرا وباطنا أي لم ينافقوا وهذا أوجه
(٨٢)