للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها وحديث كل مولود يولد على الفطرة ظاهر ان في دفع هذه المسئلة من أصلها وسيأتي مزيد بيان لهذا في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى وقد نقل القدوة أبو محمد بن أبي حمرة عن أبي الوليد الباجي عن أبي جعفر السمناني وهو من كبار الأشاعرة أنه سمعه يقول إن هذه المسئلة من مسائل المعتزلة بقيت في المذهب والله المستعان وقال النووي في الآية دليل على المذهب الصحيح ان أفعال القلوب يؤاخذ بها ان استقرت وأما قوله صلى الله عليه وسلم ان الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل فمحمول على ما إذا لم يستقر (قلت) ويمكن ان يستدل لذلك من عموم قوله أو تعمل لان الاعتقاد هو عمل القلب ولهذه المسئلة تكملة تذكر في كتاب الرقاق (قوله حدثنا محمد بن سلام) هو بتخفيف اللام على الصحيح وقال صاحب المطالع هو بتشديدها عند الأكثر وتعقبه النووي بان أكثر العلماء على أنه بالتخفيف وقد روى ذلك عنه نفسه وهو أخبر بأبيه فلعله أراد بالأكثر مشايخ بلده وقد صنف المنذري جزأ في ترجيح التشديد ولكن المعتمد خلافه (قوله أخبرنا عبدة) هو ابن سليمان الكوفي وفى رواية الأصيلي حدثنا (قوله عن هشام) هو ابن عروة بن الزبير بن العوام (قوله إذا أمرهم أمرهم) كذا في معظم الروايات ووقع في بعضها أمرهم مرة واحدة وعليه شرح القاضي أبو بكر بن العربي وهو الذي وقع في طرق هذا الحديث الذي وقفت عليها من طريق عبدة وكذا من طريق بن نمير وغيره عن هشام عند أحمد وكذا ذكره الإسماعيلي من رواية أبى أسامة عن هشام ولفظه كان إذا أمر الناس بالشئ قالوا والمعنى كان إذا أمرهم بما يسهل عليهم دون ما يشق خشية أن يعجزوا عن الدوام عليه وعمل هو بنظير ما يأمرهم به من التخفيف طلبوا منه التكليف بما يشق لاعتقادهم احتياجهم إلى المبالغة في العمل لرفع الدرجات دونه فيقولون لسنا كهيئتك فيغضب من جهة أن حصول الدرجات لا يوجب التقصير في العمل بل يوجب الازدياد شكرا للمنعم الوهاب كما قال في الحديث الآخر أفلا أكون عبدا شكورا وانما أمرهم بما يسهل عليهم ليداوموا عليه كما قال في الحديث الآخر أحب العمل إلى الله أدومه وعلى مقتضى ما وقع في هذه الرواية من تكرير أمرهم يكون المعنى كان إذا أمرهم بعمل من الأعمال أمرهم بما يطيقون الدوام عليه فأمرهم الثانية جواب الشرط وقالوا جواب ثان (قوله كهيئتك) أي ليس حالنا كحالك وعبر بالهيئة تأكيدا وفى هذا الحديث فوائد الأولى أن الأعمال الصالحة ترقى صاحبها إلى المراتب السنية من رفع الدرجات ومحو الخطيئات لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم استدلالهم ولا تعليلهم من هذه الجهة بل من الجهة الأخرى الثانية ان العبد إذا بلغ الغاية في العبادة وثمراتها كان ذلك أدعى له إلى المواظبة عليها استبقاء للنعمة واستزادة لها بالشكر عليها الثالثة الوقوف عندما حد الشارع من عزيمة ورخصة واعتقاد أن الاخذ بالأرفق الموافق للشرع أولى من الأشق المخالف له الرابعة ان الأولى من العبادة القصد والملازمة لا المبالغة المفضية إلى الترك كما جاء في الحديث الآخر المنبت أي المجد في السير لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى الخامسة التنبيه على شدة رغبة الصحابة في العبادة وطلبهم الازدياد من الخير السادسة مشروعية الغضب عند مخالفة الامر الشرعي والانكار على الحاذق المتأهل لفهم المعنى إذا قصر في الفهم تحريضا له على التيقظ السابعة جواز تحدث المرء بما فيه من فضل بحسب الحاجة لذلك
(٦٧)