اليشكري مولاهم البصري كان كتابه في غاية الاتقان وموسى بن أبي عائشة لا يعرف اسم أبيه وقد تابعه على بعضه عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير (قوله كان مما يعالج) المعالجة محاولة الشئ بمشقة أي كان العلاج ناشئا من تحريك الشفتين أي مبدأ العلاج منه أو ما موصولة وأطلقت على من يعقل مجازا هكذا قرره الكرماني وفيه نظر لان الشدة حاصلة له قبل التحرك والصواب ما قاله ثابت السرقسطي ان المراد كان كثيرا ما يفعل ذلك وورودهما في هذا كثير ومنه حديث الرؤيا كان مما يقول لأصحابه من رأى منكم رؤيا ومنه قول الشاعر وانا لمما نضرب الكبش ضربة * على وجهه يلقى اللسان من الفم (قلت) ويؤيده ان رواية المصنف في التفسير من طريق جرير عن موسى بن أبي عائشة ولفظها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي فكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فاتى بهذا اللفظ مجردا عن تقدم العلاج الذي قدره الكرماني فظهر ما قال ثابت ووجهها قال غيره ان من إذا وقع بعدها ما كانت بمعنى ربما وهى تطلق على القليل والكثير وفى كلام سيبويه مواضع من هذا منها قوله اعلم أنهم مما يحذفون كذا والله أعلم ومنه حديث البراء كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم مما نحب أن نكون عن يمينه الحديث ومن حديث سمرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح مما يقول لأصحابه من رأى منكم رؤيا (قوله فقال ابن عباس فانا أحركهما) جملة معترضة بالفاء وفائدة هذا زيادة البيان في الوصف على القول وعبر في الأول بقوله كان يحركهما وفى الثاني برأيت لان ابن عباس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة لان سورة القيامة مكية باتفاق بل الظاهر أن نزول هذه الآيات كان في أول الأمر والى هذا جنح البخاري في ايراده هذا الحديث في بدء الوحي ولم يكن ابن عباس إذ ذاك ولد لأنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين الكن يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك بعد أو بعض الصحابة أخبره انه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم والأول هو الصواب فقد ثبت ذلك صريحا في مسند أبى داود الطيالسي قال حدثنا أبو عوانة بسنده وأما سعيد بن جبير فرأى ذلك من ابن عباس بلا نزاع (قوله فحرك شفتيه) وقوله فأنزل الله لا تحرك به لسانك لا تنافى بينهما لان تحريك الشفتين بالكلام المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها الا اللسان يلزم منه تحريك اللسان أو اكتفى بالشفتين وحذف اللسان لوضوحه لأنه الأصل في النطق إذ الأصل حركة الفم وكل من الحركتين ناشئ عن ذلك وقد مضى ان في رواية جرير في التفسير يحرك به لسانه وشفتيه فجمع بينهما وكان النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الامر إذا لقن القرآن نازع جبريل القراءة ولم يصبر حتى يتمها مسارعة إلى الحفظ لئلا يتفلت منه شئ قاله الحسن وغيره ووقع في رواية للترمذي يحرك به لسانه يريد أن يحفظه وللنسائي يعجل بقراءته ليحفظه ولابن أبى حاتم يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل ان يفرغ من آخره وفى رواية الطبري عن الشعبي عجل يتكلم به من حبه إياه وكلا الامرين مراد ولا تنافى بين محبته إياه والشدة التي تلحقه في ذلك فامر بان ينصت حتى يقضى إليه وحيه ووعد بأنه آمن من تفلته منه بالنسيان أو غيره ونحوه قوله تعالى ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه أي بالقراءة (قوله جمعه لك صدرك) كذا في أكثر الروايات وفيه اسناد الجمع إلى الصدر بالمجاز كقوله أنبت الربيع البقل أي أنبت الله في الربيع البقل واللام في لك للتبيين
(٢٨)