غسلا ولو كان ما يغسل به أقل مما أريق * (فائدة) * خالف ظاهر هذا الحديث المالكية والحنفية فاما المالكية فلم يقوموا بالتتريب أصلا مع ايجابهم التسبيع على المشهور عندهم لان التتريب لم يقع في رواية مالك قال القرافي منهم قد صحت فيه الأحاديث فالعجب منهم كيف لم يقولوا بها وعن مالك رواية ان الامر بالتسبيع للندب والمعروف عند أصحابه انه للوجوب لكنه للتعبد لكون الكلب طاهرا عندهم وأبدى بعض متأخريهم له حكمة غير التنجيس كما سيأتي وعن مالك رواية بأنه نجس لكن قاعدته ان الماء لا ينجس الا بالتغير فلا يجب التسبيع للنجاسة بل للتعبد لكن يرد عليه قوله صلى الله عليه وسلم في أول هذا الحديث فيما رواه مسلم وغيره من طريق محمد بن سيرين وهمام بن منبه عن أبي هريرة طهور اناء أحدكم لأن الطهارة تستعمل اما عن حدث أو خبث ولا حدث على الاناء فتعين الخبث وأجيب بمنع الحصر لان التيمم لا يرفع الحدث وقد قيل له طهور المسلم ولأن الطهارة تطلق على غير ذلك كقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وقوله صلى الله عليه وسلم السواك مطهرة للفم والجواب عن الأول بان التيمم ناشئ عن حدث فلما قام ما يطهر الحدث سمى طهورا ومن يقول بأنه يرفع الحدث يمنع هذا الايراد من أصله والجواب عن الثاني ان ألفاظ الشرع إذا دارت بين الحقيقة اللغوية والشرعية حملت على الشرعية الا إذا قام دليل ودعوى بعض المالكية ان المأمور بالغسل من ولوغه الكلب المنهى عن اتخاذه دون المأذون فيه يحتاج إلى ثبوت تقدم النهى عن الاتخاذ على الامر بالغسل والى قرينة تدل على أن المراد ما لم يؤذن في اتخاذه لأن الظاهر من اللام في قوله الكلب انها للجنس أو لتعريف الماهية فيحتاج المدعى انها للعهد إلى دليل ومثله تفرقة بعضهم بين البدوي والحضري ودعوى بعضهم ان ذلك مخصوص بالكلب الكلب وان الحكمة في الامر بغسله من جهة الطب لان الشارع اعتبر السبع في مواضع منه كقوله صبوا على من سبع قرب وقوله من تصبح بسبع تمرات عجوة وتعقب بان الكلب الكلب لا يقرب الماء فكيف يؤمر بالغسل من ولوغه وأجاب حفيد ابن رشد بأنه لا يقرب الماء بعد استحكام الكلب منه أما في ابتدائه فلا يمتنع وهذا التعليل وإن كان فيه مناسبة لكنه يستلزم التخصيص بلا دليل والتعليل بالتنجيس أقوى لأنه في معنى المنصوص وقد ثبت عن ابن عباس التصريح بان الغسل من ولوغ الكلب بأنه رجس رواه محمد بن نصر المروزي باسناد صحيح ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه والمشهور عن المالكية أيضا التفرقة بين اناء الماء فيراق ويغسل وبين اناء الطعام فيؤكل ثم يغسل الاناء تعبدا لان الامر بالإراقة عام فيخص الطعام منه بالنهى عن إضاعة المال وعورض بان النهى عن الإضاعة مخصوص بالامر بالإراقة ويترجح هذا الثاني بالاجماع على إراقة ما تقع فيه النجاسة من قليل المائعات ولو عظم ثمنه فثبت ان عموم النهى عن الإضاعة مخصوص بخلاف الامر بالإراقة وإذا ثبتت نجاسة سؤره كان أعم من أن يكون لنجاسة عينه أو لنجاسة طارئة كأكل الميتة مثلا لكن الأول أرجح إذ هو الأصل ولأنه يلزم على الثاني مشاركة غيره له في الحكم كالهرة مثلا وإذا ثبتت نجاسة سؤره لعينه لم يدل على نجاسة باقيه الا بطريق القياس كان يقال لعابه نجس ففمه نجس لأنه متحلب منه واللعاب عرق فمه وفمه أطيب بدنه فيكون عرقه نجسا وإذا كان عرقه نجسا كان بدنه نجسا لان العرق متحلب من البدن ولكن هل يلتحق باقي أعضائه بلسانه في وجوب السبع والتتريب أم لا تقدمت الإشارة إلى ذلك
(٢٤١)