الاكتفاء بذلك في الايمان بهم من غير تفصيل الا من ثبت تسميته فيجب الايمان به على التعيين وهذا الترتيب مطابق للآية آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ومناسبة الترتيب المذكور وإن كانت الواو لا ترتب بل المراد من التقديم أن الخير والرحمة من الله ومن أعظم رحمته أن أنزل كتبه إلى عباده والمتلقى لذلك منهم الأنبياء والواسطة بين الله وبينهم الملائكة (قوله وتؤمن بالبعث) زاد في التفسير الآخر ولمسلم في حديث عمر واليوم الآخر فاما البعث الآخر فقيل ذكر الآخر تأكيدا كقولهم أمس الذاهب وقيل لان البعث وقع مرتين الأولى الاخراج من العدم إلى الوجود أو من بطون الأمهات بعد النطفة والعلقة إلى الحياة الدنيا والثانية البعث من بطون القبور إلى محل الاستقرار وأما اليوم الآخر فقيل له ذلك لأنه آخر أيام الدنيا أو آخر الأزمنة المحدودة والمراد بالايمان به التصديق بما يقع فيه من الحساب والميزان والجنة والنار وقد وقع التصريح بذكر الأربعة بعد ذكر البعث في رواية سليمان التيمي وفى حديث ابن عباس أيضا (فائدة) زاد الإسماعيلي في مستخرجه هنا وتؤمن بالقدر وهى في رواية أبى فروة أيضا وكذا لمسلم من رواية عمارة بن القعقاع وأكده بقوله كله وفى رواية كهمس وسليمان التيمي وتؤمن بالقدر خيره وشره وكذا في حديث ابن عباس وهو في رواية عطاء عن ابن عمر بزيادة وحلوه ومره من الله وكأن الحكمة في إعادة لفظ وتؤمن عند ذكر البعث الإشارة إلى أنه نوع آخر مما يؤمن به لان البعث سيوجد بعد وما ذكر قبله موجود الآن وللتنويه بذكره لكثرة من كان ينكره من الكفار ولهذا كثر تكراره في القرآن وهكذا الحكمة في إعادة لفظ وتؤمن عند ذكر القدر كأنها إشارة إلى ما يقع فيه من الاختلاف فحصل الاهتمام بشأنه بإعادة تؤمن ثم قرره بالابدال بقوله خيره وشره وحلوه ومره ثم زاده تأكيدا بقوله في الرواية الأخيرة من الله والقدر مصدر تقول قدرت الشئ بتخفيف الدال وفتحها اقدره بالكسر والفتح قدرا وقدرا إذا أحطت بمقداره والمراد ان الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل ايجادها ثم أوجد ما سبق في علمه انه يوجد فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وارادته هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة وقد روى مسلم القصة في ذلك من طريق كهمس عن ابن بريدة عن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني قال فانطلقت أنا وحميد الحميري فذكر اجتماعهما بعبد الله بن عمر وأنه سأله عن ذلك فأخبره بأنه برئ ممن يقول ذلك وان الله لا يقبل ممن لم يؤمن بالقدر عملا وقد حكى المصنفون في المقالات عن طوائف من القدرية انكار كون البارئ عالما بشئ من أعمال العباد قبل وقوعها منهم وانما يعلمها بعد كونها قال القرطبي وغيره قد انقرض هذا المذهب ولا نعرف أحدا ينسب إليه من المتأخرين قال والقدرية اليوم مطبقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها وانما خالفوا السلف في زعمهم بان أفعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال وهو مع كونه مذهبا باطلا أخف من المذهب الأول وأما المتأخرون منهم فأنكروا تعلق الإرادة بأفعال العباد فرارا من تعلق القديم بالمحدث وهم مخصومون بما قال الشافعي ان سلم القدري العلم خصم يعنى يقال له أيجوز أن يقع في الوجود خلاف ما تضمنه العلم فان منع وافق قول أهل السنة وان أجاز لزمه نسبة الجهل تعالى الله عن ذلك * (تنبيه) * ظاهر السياق يقتضى أن الايمان لا يطلق الا على
(١٠٩)