والحاصل: أن الإجماع منعقد، بل النص، على أنه يكفي في الشهادة على العدالة، بعد العلم بالملكة أو حسن الظاهر - على الخلاف في معناها - عدم العلم بصدور الكبيرة عنه، ولا يعتبر علمه أو ظنه بأنه لم يصدر عنه كبيرة إلى زمان أداء الشهادة؛ و على هذا، فأحد جزئي الشهادة - وهو تحقق ذلك الأمر العدمي - ثابت بالطريق الظاهري، وهو مستند شهادته.
ومن المعلوم أن شهادة الجارح حاكمة على هذا الطريق الظاهري؛ فإن تعارضهما إنما هو باعتبار تحقق هذا الأمر وعدم تحققه، وإلا فلعل الجارح أيضا لا ينكر الملكة، بل يعترف بها في متن الشهادة.
فالمقام على ما اخترناه - من أخذ الاجتناب عن الكبيرة قيدا للملكة - نظير شهادة إحدى البينتين على أنه ملكه قد اشتراه من المدعى؛ تعويلا على أصابة صحة الشراء، و شهادة البينة الأخرى [على] أنه ملك للآخر؛ مستندا إلى فساد ذلك الشراء؛ لوجود مانع من موانع الصحة.
والقول بكونه (1) مزيلا للعدالة بالدليل الخارجي، يكون (2) نظير شهادة إحداهما بملكه لأحدهما، وشهادة الأخرى بانتقاله عنه إلى الآخر، فالمعدل يقول: إنه ذو ملكة لم أطلع على صدور كبيرة منه، والجارح يقول: قد اطلعت على صدور المعصية الفلانية، فشهادة المعدل مركبة من أمر وجودي وعدمي، وشهادة الجارح تدل على انتفاء ذلك الأمر العدمي، فالتعارض إنما هو في الجزء الأخير ومن المعلوم كونهما من قبيل النافي والمثبت.
نعم، لو اعتبرنا في التعديل الظن بعدم صدور الكبيرة، كان التعارض على وجه لا يمكن الجمع، فلا بد إما من ترجيح الجارح؛ لاستناده إلى القطع الحسي، بخلاف المعدل؛ فإنه مستند إلى الظن الحدسي، وإما من التوقف عن الحكم بالعدالة والفسق والرجوع إلى الأصل.