ورجوعها بمجرد التوبة ينافي كونها ملكة، واحتمال أن المراد الملكة مع عدم وقوع أحد الكبائر خلاف ظاهر تعريفهم من أنها عبارة عن الملكة الباعثة على ذلك ولا ريب أن اتفاق وقوع الكبيرة لا يرفع أصل الملكة، وإرادة أنه يرتفع الحكم بها يدفعها حكمهم بعودها بمجرد التوبة من غير حاجة إلى تجديد الاختيار.
ودعوى أن ذلك أمر تعبدي شرعي للاجماع، وإلا فلا يحتاج للاختبار للملكة نعم يحتاج إلى زمان يعرف منه الندم، وقد يظهر ذلك في أيسر زمان، يدفعها أن الثابت من الشارع أنه بفعل ذلك يكون فاسقا لا عدلا غير مقبول الشهادة مثلا كما هو مقتضى التعريف، وكون الشأن فيها كالشأن في الكريم إذا بخل والشجاع إذا جبن يقتضي عدم ارتفاعها بذلك، كما لا يرتفع الحكم بكونه شجاعا وكريما بعد حصول الملكة.
وأيضا قد اشتهر بينهم تقديم الجرح على التعديل لعدم حصول التعارض، لكون المعدل لا يعلم والجارح عالم، ومن لا يعلم ليس حجة على من علم، ولو كان من باب الملكة لكان من باب التعارض، لأن المعدل يخبر عن الملكة والآخر يخبر عن عدمها، بل عن ملكة الفسق، اللهم إلا أن أهل الملكة ينفون الحكم بمقتضاها بمجرد وقوع الكبيرة مثلا وإن لم تذهب الملكة، فلا يكون تعارضا بينهما، إذ قد يكون الجارح اطلع على فعل كبيرة ولا ينافي ذلك إخبار العدل بحصول الملكة، نعم لو كان الجرح بما يرفع الملكة اتجه التعارض، فتأمل جيدا.
ومع ذلك كله فلم يتضح لنا ما أرادوا بحجتهم السابقة، أما أولا فلأنا قد بينا أن العدالة لها حقيقة شرعية، وثانيا لو قلنا ببقائها على المعنى اللغوي فالظاهر بل المقطوع به عدم إرادته هنا، لكون الاستقامة والاستواء حقيقة في الحسي، فلا بد أن يراد بهما هنا معنى مجازي، وكونه عدم الميل الذي يلزمه الملكة ليس بأولى من عدم انحراف الظاهر واعوجاجه.