نعم، لو أقام قرينة مميزة بين كلامه وبين لفظ الأصل، فلا بأس به ولا سيما مع عدم خفائها، وأما إقامة القرائن الخفية جدا فلا؛ لأنها ربما تخفى عن الناظر، فيقع في الشبهة ويلتبس الأمر عليه.
ومن أصحابنا المتأخرين من ذكر الفتوى بلفظ الحديث، إما مصرحا بكونه خبرا ذاكرا لفظه أو معناه - بناء على صحة النقل بالمعنى - أو غير ذاكر ذلك، بل مقتبسا لفظه بلفظ الخبر، اتكالا على تنبه النبيه - الفاحص الممارس - به.
وشيخنا صاحب الرياض وصاحب الجواهر ربما يسلك هذا المسلك، ونحن حذونا حذوها (1) في كثير من العبائر، ولا بأس به.
(وإن أوهم السماع ممن لم يسمع منه)، بأن قال: " أخبرنا " و " حدثنا " وما شاكل ذلك، بالنسبة إلى من لقيه ولم يسمع منه، (أو ذكر شيخ بإيراد ما لم يشتهر) به (من ألقابه) أو كناه أو أسمائه أو أوصافه - (مثلا) - لئلا يعرف، (فمدلس). (2) وبتقرير آخر، هو ما انطوى على عيب خفي في الإسناد، بأن يروي عمن لقيه أو عاصره ولم يسمع منه، بحيث يتوهم منه أنه سمعه منه.
وينبغي أن لا يقول: " أخبرنا " و " حدثنا " وما شاكل ذلك، بل يقول: " قال فلان " أو " عن فلان " حتى لا يكون كذابا، وإلا فلا يبعد القدح في عدالته؛ لارتكابه الكذب تعمدا.
وربما لم يسقط الشيخ وأسقط بعده رجلا ضعيفا، يريد بذلك إخفاه عيب السند وضعفه، هذا.
وقد يقع التدليس في غير الإسناد، بأن يروي عن شيخ ما سمعه منه، فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لم يشتهر به، لئلا يعرف، وهو أقل قبحا وضررا من التدليس في الإسناد، وإن استلزم تضييع المروي عنه، وأما الأول فهو مذموم جدا.