وبعض آخر من فضلاء العامة بعد أن عنون المدلس والمعنعن والمؤنن عنوانا واحدا قال: " إن تدليس الإسناد مما يضعف به الحديث إجماعا. والصحيح أن حكمه حكم المرسل.
وأما الحديث المعنعن، وهو الذي وقع في الإسناد، " حدثنا فلان عن فلان " فقد جعله بعض الناس مرسلا.
والصواب التفصيل، فمتى أمكن اللقاء وبرئا من التدليس كان متصلا، وقد وقع منه في الصحيحين كثير، فلذلك يكون ما روي به على سبيل الإجازة عند من يصحح الرواية بالإجازة متصلا.
وأما المؤنن وقد يقال: المؤنان، وهو ما كان في إسناده " حدثنا فلان، أن فلانا قال "، والجمهور على أنه مثل المعنعن " (1) انتهى كلامه.
فإن قلت: ما تقول فيما ذكره البعض في المقام قائلا: " إن الفرق بين المدلس و المرسل الخفي دقيق يحصل تحريره بما ذكر هاهنا، وهو أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، فأما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي. و من أدخل في تعريف التدليس المعاصرة ولو بغير لقاء لزمه دخول المرسل الخفي في تعريفه، والصواب: التفرقة بينهما.
ويدل على أن اعتبار اللقاء في التدليس دون المعاصرة وحدها لابد منه إطباق أهل العلم بالحديث على أن رواية المخضرمين كأبي عثمان النهدي وقيس بن أبي حازم عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قبيل الإرسال لا من قبيل التدليس، ولو كان مجرد المعاصرة يكتفى به في التدليس لكان هؤلاء مدلسين؛ لأنهم عاصروا النبي (صلى الله عليه وآله) قطعا ولكن لم يعرف هل لقوه أم لا؟ وممن قال باشتراط اللقاء في التدليس الشافعي وأبو بكر البزاز، وكلام الخطيب في الكفاية يقتضيه وهو المعتمد. " (2)