قد يسأل عن قوله: " فإن لم يشتره اشتراه غيره " فإن شراء الناس للشئ لا مدخل له في صيرورته حلالا، على تقدير أن يكون حراما، فأي مناسبة له ليعلل به، ولا أبعد أن يكون ذلك إشارة منه عليه السلام إلى معنى لطيف، وهو أن كل من له دخل في قيام دولة الجور ونفوذ أوامرها وقوة شوكتها وضعف دولة العدل يحرم عليه هذا النوع ونحوه بشراء وغيره بخلاف من لم يكن كذلك، فإن عدم دخوله في شراء هذا كدخوله في أنه لا يتعطل أمر دولة الجور ولا يتناقص، بل رواجها بحلاله.
فأشار عليه السلام بقوله: " إن لم يشتره اشتراه غيره "، إلا أنه لا مانع له من الشراء، إذ لا دخل له في دولة الجور بتقوية ولا غيرها. فإن لم يشتره لم يتفاوت الحال بل يشتريه غيره.
ومنها ما رواه أيضا إسحاق بن عمار قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم قال: " يشتري منه ما لم يعلم أنه ظلم فيه أحد " (1).
وهذا الحديث نقلته من المنتهى هكذا، وظني أنه نقله من التهذيب (2)، وبمعناه أحاديث كثيرة:
منها ما رواه أيضا في الصحيح عن هشام بن سالم، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنمها وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم، قال: " ما الإبل والغنم إلا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك، لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه ".