ومع ذلك فإن الأصحاب كلهم أو جلهم قد أفتوا بمضمونها في كتبهم، وعملوا به فيما بلغنا عنهم، والخبر الضعيف الاسناد إذا انجبر بقول الأصحاب وعملهم ارتقى إلى مرتبة الصحيح وانتظم في سلك الحجج وألحق بالمشهور.
فإن قيل: هاهنا سؤالان:
الأول: هذه الأخبار إنما تضمنت حل الشراء خاصة، فمن أين ثبت حل التناول مطلقا؟
الثاني: هذه الأخبار إنما دلت على جواز التناول من الجائر بعد استيلائه وأخذه، فمن أين ثبوت حل الاستيلاء والأخذ كما يفعل الجائر؟
قلنا: الجواب عن الأول: إن حل الشراء كاف في ثبوت المطلوب، لأن حل الشراء يستلزم حل جميع أسباب النقل كالصلح والهبة، لعدم الفرق، بل الحكم بجواز غير الشراء على ذلك التقدير بطريق أولى، لأن شروط صحة الشراء أكثر، وقد صرح الأصحاب بذلك، بل يستلزم قبول جواز هبته وهو في يد ذي المال الحوالة به، لما عرفت من أن ذلك غير مملوك له، بل إنما هو حق تسلط على تصرف الغير فيه، وقد سوغ أئمتنا عليهم السلام ابتناء تملكنا على ذلك التصرف الغير السائغ، لأن تحريمه إنما كان من جهتهم عليهم السلام، فاغتفروا لشيعتهم ذلك طلبا لزوال المشقة، فعليهم من الله التحية والسلام، وقد صرح بذلك بعض الأصحاب، وسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وأما الجواب عن الثاني فلأن الأخذ من الجائر والأخذ بأمره سواء، على أنه إذا لوحظ أن المأخوذ حق ثبت شرعا ليس فيه وجه تحريم ولا جهة غصب ولا قبح، حيث أن هذا حق مفروض على هذه الأراضي المحدث عنها، وكونه منوطا بنظر الإمام انتفى الحظر اللازم بسببه ترخيص الإمام في تناوله من الجائر سقط السؤال بالكلية أصلا ورأسا.