(الشرح) اما قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يتعوذ من الفقر " فهو ثابت في الصحيحين من رواية عائشة رضي الله عنها (واما) حديث " أحيني مسكينا وأمتني مسكينا " فرواه الترمذي في جامعه في كتاب الزهد والبيهقي في سننه وغيرهما من رواية انس رضي الله عنه واسناده ضعيف ورواه ابن ماجة في سننه في كتاب الزهد من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه واسناده أيضا ضعيف ورواه البيهقي أيضا من رواية عبادة بن الصامت قال البيهقي قال أصحابنا فقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من الفقر وسأل المسكنة وقد كان له صلى الله عليه وسلم بعض الكفاية فدل على أن المسكين من له بعض الكفاية قال البيهقي وقد روى في حديث انس ان النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ " من المسكنة والفقر " فلا يجوز أن يكون استعاذ من الحال التي شرفها في اخبار كثيرة ولا من الحال التي سأل صلى الله عليه وسلم ان يحيى ويمات عليها قال ولا يجوز أن تكون مسألته صلى الله عليه وسلم مخالفة لما مات عليه صلى الله عليه وسلم فقد مات مكفيا بما أفاء الله تعالى عليه قال ووجه هذه الأحاديث عندي انه استعاذ من فتنة الفقر والمسكنة اللذين يرجع معناهما إلى القلة كما استعاذ صلى الله عليه وسلم من فتنة الغنى فقد روت عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن يقول " اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وفتنة الفقر وعذاب القبر وشر فتنة الغنى وشر فتنه الفقر اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة الدجال " رواه البخاري ومسلم وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم إنما استعاذ من شر فتنة الفقر دون حال الفقر ومن فتنة الغنى دون حال الغني قال واما قوله صلى الله عليه وسلم إن كان قال " أحيني مسكينا وأمتني مسكينا " فان صح طريقه وفيه نظر فالذي يدل عليه حاله عند وفاته صلى الله عليه وسلم انه لم يسأل مسكنه يرجع معناها إلى القلة بل مسكنة معناها الاخبات التواضع وان لا يكون من الجبابرة المتكبرين وان لا يحشر في زمرة الأغنياء المترفين قال القتيبي المسكنة مشتقه من السكون يقال تمسكن الرجل إذا لان وتواضع وخشع هذا آخر كلام البيهقي ومذهب أبي حنيفة ومالك ان المسكين أسوأ حالا من الفقير كما حكاه المصنف عن أبي إسحاق المروزي قال أصحابنا والخلاف بيننا وبين أبي حنيفة في الفقير والمسكين لا يظهر له فائدة في الزكاة لأنه يجوز عنده صرف الزكاة إلى صنف واحد بل إلى شخص واحد من صنف لكن يظهر في الوصية للفقراء دون المساكين أو للمساكين دون دون الفقراء وفيمن أوصي بألف للفقراء وبمائة للمساكين وفيمن نذر أو حلف ليتصدقن على أحد الصنفين دون الآخر أما إذا أطلق أحد الصنفين في الوصية والوقف والنذر وجميع المواضع غير الزكاة ولم ينف الآخر فإنه يجوز عندنا أن يعطى الصنف الآخر بلا خلاف صرح به أصحابنا واتفقوا
(١٩٦)