قتل لتسكين فتنة ففيه وجهان (أحدهما) يعطى مع الغنى لأنه غرم لاصلاح ذات البين فأشبه إذا غرم دية مقتول (والثاني) لا يعطي مع الغني لأنه مال حمله في غير قتل فأشبه إذا ضمن ثمنا في بيع: وأما من غرم لمصلحة نفسه فإن كان قد أنفق في غير معصية دفع إليه مع الفقر وهل يعطى مع الغنى فيه قولان: قال في الام لا يعطى لأنه يأخذ لحاجته إلينا فلم يعط مع الغني كغير الغارم: وقال في القديم والصدقات من الام يعطى لأنه غارم في غير معصية فأشبه إذا غرم لاصلاح ذات البين فان غرم في معصية لم يعط مع الغنى وهل يعطي مع الفقر ينظر فيه فإن كان مقيما على المعصية لم يعط لأنه يستعين به على المعصية وإن تاب ففيه وجهان (أحدهما) يعطي لان المعصية قد زالت (والثاني) لا يعطى لأنه لا يؤمن أن يرجع إلى المعصية ولا يعطى الغارم الا ما يقضي به الدين فان أخذ ولم يقض به الدين أو أبرئ منه أو قضي عنه قبل تسليم المال استرجع منه وان ادعى انه غارم لم يقبل الا ببينة فان صدقه غريمه فعلى الوجهين كما ذكرنا في المكاتب إذا ادعى الكتابة وصدقه المولى) * (الشرح) هذا الحديث حسن أو صحيح رواه أبو داود من طريقين (أحدهما) عن عطاء ابن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم (والثاني) عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا واسناده جيد في الطريقين وجمع البيهقي طرقه وفيها أن مالكا وابن عيينة أرسلاه وان معمرا والثوري وصلاه وهما من جملة الحفاظ المعتمدين وقد تقررت القاعدة المعروفة لأهل الحديث والأصول أن الحديث إذا روى متصلا ومرسلا كان الحكم للاتصال على المذهب الصحيح وقدمنا أيضا عن الشافعي رضي الله عنه أنه يحتج بالمرسل إذا اعتضد بأحد أربعة أمور (إما) حديث مسند (وإما) مرسل من طريق آخر (وإما) قول صحابي (وإما) قول أكثر العلماء وهذا قد وجد فيه أكثر فقد روى مسندا وقال به العلماء من الصحابة وغيرهم (وأما) الغارم فهو الذي عليه دين والغريم يطلق على المدين وعلى صاحب الدين وأصل الغرم في اللغة اللزوم ومنه قوله سبحانه وتعالى (إن عذابها كان غراما) وسمي كل واحد منهما غريما لملازمته صاحبه (وقوله) لاصلاح ذات البين قال الأزهري معناه لاصلاح حالة الوصل بعد المباينة قال والبين يكون فرقة ويكون وصلا وهو هنا وصل ومنه قوله سبحانه وتعالى (لقد تقطع بينكم) أي وصلكم وقولهم في الدعاء اللهم أصلح ذات البين أي أصلح الحال التي بها تجتمع المسلمون (أما) أحكام الفصل فقال الشافعي والأصحاب الغارمون ضربان (الضرب) الأول من غرم الاصلاح ذات البين ومعناه أن يستدين مالا ويصرفه في اصلاح ذات البين بأن يخاف فتنة بين قبيلتين أو طائفتين أو شخصين فيستدين مالا ويصرفه في تسكين تلك الفتنة
(٢٠٦)