أصحابنا بالآية الكريمة قالوا ولا يضر قرن الميسر والأنصاب والأزلام بها مع أن هذه الأشياء طاهرة لأن هذه الثلاثة خرجت بالاجماع فبقيت الخمر على مقتضي الكلام ولا يظهر من الآية دلالة ظاهرة لان الرجس عند أهل اللغة القذر ولا يلزم من ذلك النجاسة وكذا الامر بالاجتناب لا يلزم منه النجاسة وقول المصنف ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم لا دلالة فيه لوجهين أحدهما أنه منتقض بالمنى والمخاط وغيرهما كما ذكرنا قريبا والثاني أن العلة في منع تناولهما مختلفة فلا يصح القياس لان المنع من الدم لكونه مستخبثا والمنع من الخمر لكونها سببا للعداوة والبغضاء وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة كما صرحت به الآية الكريمة وأقرب ما يقال ما ذكره الغزالي انه يحكم بنجاستها تغليظا وزجرا عنها قياسا على الكلب وما ولغ فيه والله أعلم واعلم أنه لا فرق في نجاسة الخمر بين الخمر المحترمة وغيرها وكذا لو استحال باطن حبات العنب خمرا فإنه نجس وحكى امام الحرمين والغزالي وغيرهما وجها ضعيفا أن الخمر المحترمة طاهرة ووجها أن باطن حبات العنب المستحيل طاهر وهما شاذان والصواب النجاسة وأما النبيذ فقسمان مسكر وغيره فالمسكر نجس عندنا وعند جمهور العلماء وشربه حرام وله حكم الخمر في التنجيس والتحريم ووجوب الحد وقال أبو حنيفة وطائفة قليلة هو طاهر ويحل شربه وفى رواية عنه يجوز الوضوء به في السفر وقد سبق في باب المياه بيان مذهبنا ومذهبه والدلائل من الطرفين مستقصاة وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة الذي يقتضي مجموعها الاستفاضة أو التواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) وهذه الألفاظ مروية في الصحيحين من طرق كثيرة وحكى صاحب البيان وجها أن النبيذ المسكر طاهر لاختلاف العلماء في اباحته وهذا الوجه شاذ في المذهب وليس هو بشئ وأما القسم الثاني من النبيذ فهو ما لم يشتد: ولم يصر مسكرا وذلك كالماء الذي وضع فيه حبات تمر أو زبيب أو مشمش أو عسل أو نحوها فصار حلوا وهذا القسم طاهر بالاجماع يجوز شربه وبيعه وسائر التصرفات فيه وقد تظاهرت الأحاديث في الصحيحين من طرق متكاثرة
(٥٦٤)