عالما بذلك وإلا فلا فائدة في أن يجري في أيامه مالا يعرفه ولو ساع هذا التأويل لقيل لهما هذا التخريج الذي خرجه الخصوم، فلما لم يقل ذلك دل على أنهما إنما خبرا بأن ذلك جرى وهو ع يعرفه ويبلغه فلا ينكره، وقد تعلق من امتنع من بيع أمهات الأولاد بأشياء منها:
إن ولد هذه الأمة حر لا محالة وهو كالجزء منها فحريته متعدية إليها، ومنها ما رواه عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله ص: أيما رجل ولدت منه أمته فهي معتقة عن دبر منه.
وعن ابن عمر عن النبي ص نحوه. وعن سعيد بن المسيب قال: أمر النبي ص بعتق أمهات الأولاد، وأن لا يبعن ولا يستسعين. وبما روي عنه ع في مارية حين ولدت منه أنه قال: أعتقها ولدها. وادعوا أيضا إجماع الصحابة على عتقها في أيام عمر بن الخطاب، والإجماع حجة.
فيقال لهم فيما تعلقوا به أولا: لم زعمتم أن حرية الولد تتعدى إلى الأم ومن مذهبكم أن الأم لا تتبع الولد في الأحكام وإنما يتبعها الولد، فإذا عتقت الأمة عتق ما في بطنها، وليس إذا عتق ما في بطنها عتقت؟
وأيضا: فلو كان الولد هو الموجب لحريتها لعتقت في الحال ولم يتأخر ذلك إلى موت السيد، على أن أصحاب الشافعي لا يصح أن يتعلقوا بهذه الطريقة لأن الشافعي يذهب إلى أن من اشترى امرأته وهي أمة وقد كانت حملت منه ووضعت عنده ولدا عتق ولده منها، ولم تسر الحرية من الولد إليها بل تكون أمة حتى تحمل منه وهي في ملكه.
فأما ما روي عن عكرمة عن ابن عباس فإن حفاظ الحديث ونقاده قطعوا على أنه كذب لا أصل له.
وكذلك الخبر الذي روي عن سعيد بن المسيب، ويوضح ذلك ما رواه أشعث عن سالم عن أبي عروة القرشي عن ابن عباس أنه كان يجعل أمهات الأولاد من أنصباء أولادهن، فلو كان عند ابن عباس في ذلك أثر عن رسول ص يتضمن العتق والحرية لما جعلهن من أنصباء أولادهن.