واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون باليد واللسان والقلب.
فأما وجوب ذلك على المكلف باليد واللسان فإنما يصح إذا كان متمكنا منهما ويعلم أو يغلب في ظنه أنه لا ضرر يلحقه في ذلك ولا غيره من الناس لا في حال الأمر والنهي ولا فيما بعد هذه الحال من مستقبل الأوقات، فإن علم أو غلب في ظنه لحوق الضرر به أو بغيره سقط وجوب ذلك عنه باليد واللسان ووجب ذلك بالقلب وحده فيعتقد وجوب الأمر بالمعروف أو وجوب الانكار للمنكر.
وأما الأمر بالمعروف باليد فإنما يكون بأن يفعل المعروف ويجتنب المنكر على وجه يتأسى الناس به، وأما باللسان فإن يكون بالدعاء إلى ذلك وتعريف من يؤمر وينهى ما له على ذلك من مدح وثواب وما له على تركه والإخلال به إن كان واجبا من ذم وعقاب.
وقد يكون الأمر بالمعروف باليد أيضا على وجه آخر وهو أن يحمل الناس بالقتل والردع والتأديب والجراح والآلام على فعله إلا أن هذا الوجه لا يجوز للمكلف الإقدام عليه إلا بأمر الإمام العادل وإذنه له في ذلك أو من نصبه الإمام، فإن لم يأذن له الإمام أو من نصبه في ذلك فلا يجوز له فعله ويجب عليه حينئذ الاقتصار على الوجه الذي قدمنا ذكره، وهذا الوجه أيضا لا يجوز فعله في إنكار المنكر إلا بإذن الإمام أو من نصبه، فإن لم يحصل ذلك وجب عليه أن يقتصر على الانكار باللسان والقلب.
فأما باللسان فبالوعظ أو الإنذار والزجر والتعريف لفاعل المنكر ما يستحقه على فعله من ذم وعقاب وما له على الإخلال به من مدح وثواب، وقد يكون إنكار المنكر على وجه آخر بضرب من الفعل وهو الإعراض عن الفاعل له وعن تعظيمه وأن يتعمد هجره والاستخفاف به ويستمر على ذلك ويفعل منه ما يرتدع به عن المنكر.
ولا يجوز لأحد من الناس إقامة حد على من وجب عليه إلا الإمام العادل أو من ينصبه لذلك، وقد رخص في إقامة حد لذلك على ولده وأهله دون غيرهم إذا لم يخف من وصول المضرة إليه من ظالم فمتى خاف ذلك وعلمه أو غلب في ظنه لم يجز له فعله.
إذا استخلف السلطان الجائر إنسانا من المسلمين وجعل إليه إقامة الحدود جاز أن يقيمها بعد أن يعتقد أنه من قبل الإمام العادل في ذلك وأنه يفعل ذلك باذنه لا بإذن