وإذا أحاط الحرب بالبلد وجب على كل من ذكرناه الخروج وليس له الامتناع من ذلك بشئ من الأعذار التي وصفناها ولا غيرها، ولا يجوز لصاحب الدين ولا غيره المنع عن ذلك على كل حال.
ومن خرج إلى الجهاد ولم يكن له عذر ثم تجدد العذر بأن يكون صاحب الدين أذن له في الخروج ثم بدا له من ذلك أو كان أبواه كافرين فأسلما، فإن كان ذلك قبل التقاء الجمعين جاز له الرجوع، فإن كان التقى الجمعان لم يجز له الرجوع.
ويجوز له الخروج بالصبيان للانتفاع بهم، والنساء يجوز خروجهن ليعالجن الجرحى والمرضى، والمرأة إذا كان لها زوج لم يجز لها الخروج إلى الجهاد إلا باذنه.
وإنما ذكرنا أن يكون مأمورا بالجهاد من قبل الإمام أو من نصبه لأنه متى لم يكن واحدا منهما لم يجز له الخروج إلى الجهاد، فإن دهم المسلمين العدو وهجم عليهم في بلدهم جاز لجميع من في البلد قتاله على وجه الدفع عن النفس والمال.
والجهاد مع أئمة الكفر ومع غير إمام أصلي أو من نصبه قبيح يستحق فاعله العقاب، فإن أصاب كان مأثوما وإن أصيب لم يكن على ذلك أجر، ومتى غنم المسلمون غنيمة وهذه حالهم كان جميع الغنيمة للإمام خاصة وليس يستحقون منها شيئا بالجملة.
ومعاونة المجاهدين فيها فضل كثير لأن النبي ص قال: من جهز غازيا أو حاجا أو معتمرا أو خلفه في أهله فله مثل أجره. ويجوز للإمام أن يستعين بالمشركين على قتال المشركين بأن يكون في المسلمين قلة أو يكون في المستعان جيد الرأي حسن السياسة.
وإذا عرف الإمام من رجل الإرجاف والتحويل ومعاونة المشركين كان له أن يمنعه من الغزو، وأما الإرجاف فهو مثل أن يقول: بلغني أن للقوم كمينا، أو: لهم مددا يلحقهم، وما جرى هذا المجرى. وأما التحويل فهو أن يقول: إن الصواب أن نرجع عنهم فإنا لا نطيق قتالهم، ولا يثبت لهم ويضعف أنفسهم بذلك وما أشبهه. والإعانة أن يرى عينا منهم يطلعهم على عورات المسلمين أو يكاتبهم بأخبارهم، ومن كان على واحد من هذه الصفات كان للإمام منعه من الخروج مع المسلمين، فإن لم يمنعه وخرج لم يعط